لا تقل غزوات الرسول

م/محسن

عضو برونزي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
256
مستوى التفاعل
60


المغازي


خطأ تاريخي في وصف معارك وجهاد الرسول مع صحابته ب" غزوات الرسول محمد " :
حيث أطلق كثير من المؤرخين والدارسين للسيرة وحتى بعض السلف تعبير ومصطلح " غزوات الرسول " عنوانا لكل المعارك والقتال بين المسلمين والمشركين ويهود المدينة ،
وهذا التعبير غير دقيق اطلاقا ، وهو افتراء على سيرة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث يوحى بتصويره على أنه مجرد قائد لجيش عربي أراد غزو الأرض والبلدان ،وهذا غير صحيح ،
وإن شئت الدقة والتحقيق فالرسول والمؤمنين غزوا الكفار بعد أن غزوهم .

ثم أننا ونجد أعداء الإسلام يقولون على وجه الاتهام للاسلام : إن المسلمين كانوا "غزاة". حيث أن مفهوم كلمة الغزو في الثقافة والعموم يحمل معنى سلبيًّا .
فضلا عن اقران لفظ غزوة الى لفظ الرسول وجمعهما في كلمة واحدة " غزوات الرسول " يزيد من سلبيتها حيث تطغى على قدسية الرسالة والنبوة ونبل مضمونها وعظمة منهجها وسماحتها وسلميتها .

حقيقة المغازي :


والحقيقة أن الشطر الأول من معارك المسلمين في عهد النبي والذي أطلقوا عليه غزوات الرسول ، كان المشركين هم الغازين والبادئين بالقتال والهجوم والاعتداء على المسلمين ومدينتهم ،
قال تعالى في هذا الصدد (وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) سورة براءة ، أي المشركون كانوا هم البادئين بقتال المسلمين ،
فمثلا أكبر المعارك وأشهرها هي : بدر وأُحد والخندق ، وكلها من صنيع المشركين وهم الذين غزوا المسلمين ، وهو شيء غفل عنه الكثير رغم وضوحه التام والبيّن ،
ولم يكن للمسلمين جيشا طوال ثلاثة عشر عاما من بدء بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الهجرة الى المدينة ،
وفي خلال العشر سنوات الأخرى في المدينة وهي عمر الجيش الاسلامي في عهد النبوة ، كان نصفها - خمس سنوات الأولى -، هي لغزو المشركين لديار المسلمين وليس العكس كما توهم أغلب الناس بأن المسلمين هم الغازين ،

وتأمّل ما قاله النبي ص بعد انصراف الأحزاب في غزوة الخندق عام 5 هــ في الحديث الصحيح، قال :
( الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَنَا) ،

أي بعد انهزام المشركين في غزوهم للمدينة يوم الأحزاب ، لن يعودوا أي الكفار الى غزو المسلمين بل المسلمون هم الذين سيغزوهم ،
وهذا ما حدث في قريظة وخيبر وغزو الرسول لها ثم غزو مكة وغزوة الطائف .
وعن الرسول (ص) : قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ " لَا تُغْزَى قُرَيْشٌ بعدَها " .
صلاةً وسلامًا على رسول الرحمة والعدل والقصاص ،
وحتى ما قام به الرسول ص من غزوه للمشركين ولليهود بعد عام خمسة هجرية من حروب وقتال كان سببه نقضهم للعهود كما حدث في فتح مكة وغزوة بني قريظة وغيرها، وصدهم عن سبيل الله .

مصطلح "الغزو" لم يذكر في القرآن إلا للكفار :

ولم تصاغ عبارات الجهاد للمؤمنين إلا في عبارات " القتال " و " القتال في سبيل الله "
قال تعالى ( كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ‌ٱلۡقِتَالُ) و(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ‌ٱلۡقِتَالِۚ)
و(وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ‌ٱلۡقِتَالُ) ،
وعن المعركة الحربية أو الغزوة يذكر الله لفظ (يوم) يقول تعالى في كتابه (لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ ‌حُنَيۡنٍ) ،
وهذا بلاغة بيانية واختيار اعجازي للكلمات ودقة في التعبير في ألفاظ " القتال " و "يوم " .
ولم تذكر الغزو أو نحوها إلا في سياق ذكر الكفار ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) آل عمران ،
والشاهد قوله ( غزى )،

قال الطبري في تفسير الآية : " يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاء به محمد من عند الله، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لإخوانه من أهل الكفر {إذا ضربوا في الأرض} [آل عمران: 156] فخرجوا من بلادهم سفرا في تجارة، {أو كانوا غزى} [آل عمران: 156] يقول: أو كان خروجهم من بلادهم غزاة، فهلكوا فماتوا في سفرهم، أو قتلوا في غزوهم، {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} [آل عمران: 156]
يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار، أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله أو تجارة: لو لم يكونوا خرجوا من عندنا، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} [آل عمران: 156] يعني: أنهم يقولون ذلك، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده " .

معنى الغزو في اللغة :

غزا: غَزَا الشيءَ غَزْواً: أَرادَه وطَلَبَه
والغَزْوُ: القَصْدُ ، ومنه قولهم " مَغْزَى الْكَلَامِ " : أي مَقْصِدُه .
والغَزْوُ: السيرُ إِلى قِتالِ العَدُوِّ وانْتِهابه.
غزى أي غزاة جمع غاز
والمغازِي : مواضِعُ الغَزْوِ.

وفي الختام لا تقل "غزوات الرسول " ، وقل "جهاد الرسول" ، أو "الغزوات" و " السير والمغازي ".
 
أعلى أسفل
}