كلام تاني في القدر

م/محسن

عضو برونزي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
256
مستوى التفاعل
60

نسخ وتبديل الأقدار

فريق من المسلمين يقول بعدم القدر ،
وهذا يضم بعض ما يطلق عليهم المثقفين و العلمانيين و التنويرين .
وفريق آخر وهم أهل العلم يقولون أن ما كتبه الله في الأزل وشاءه هو واقع لا محالة ولا مجال لتغييره ،
ولكنهم في هذا قسمين : قسم يقول بأن الله علم ما سيكون وأنه كتبه كما علمه .
وقسم آخر يقول بل ما سيكون هو مقدر من الله وليس مجرد علمه تعالى بما سيكون، وهذا المقدر لا يمكن تغييره .
لكن يقال لهم : لو كان الكفر قدرا مقدروا على الكافرين ما كان الله أرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين، وإلا كان القدر مانعا لهم من الايمان وأن كفرهم المكتوب لا يقبل التعديل والتحول الى الايمان فكيف ومع ما كُتب، الله يدعوهم الى الايمان به ؟ .

فهل يمكن ان نجد كلام تاني ومذهب تاني بين هذين الفريقين ؟
بين الذي يقول لا قدر ، والذي يقول بالقدر .
ان شاء الله فيه كلام تاني وهو محور الحلقة دي والجديد في الرأي والفكر الاسلامي،
وهذا الكلام التاني وما سنقوله له أصل في كلام ائمتنا الكبار .

لكن في البداية لابد أن نعرف ماذا نعني بالقدر ، أو ما هو تعريف القدر ؟

القدر هو تقدير الله تعالى الأمور والخلق في القدم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده ، وعلى صفة مخصوصة وبحسب ما قدرها ثم كتابتها سبحانه في كتاب عنده. وربما أطلق عليه القضاء .
مثال لهذا التعريف : مثلا يقدر الله أن يخلق انسانا اسمه يحيى وفي أي بيت وزمن يولد ؟ ويقدر له هيئة بصفة مخصوصة وعمراً وأجلاً محددا وكذلك رزقه وعمله وذريته الخ .

و ما هي الأدلة الشرعية لوجود القضاء والقدر ؟
"قوله تعالى في كتابه الحكيم ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"سورة القمر: 49.
وفي قوله جل وعلا: " وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا" ( سورة الأحزاب، آية 38)؛ أي: وكان أمره الذي يقدره كائنا لا محالة، وواقعا لا محيد عنه فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
ولكي نتفهم قول الله ونستوعبه نعرف سبب النزول وهو أن الآية نزلت في أمر الله وتقديره أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من إمرأة زيد بن حارثة بعد أن طلقها .
وهذه فرصة نؤكد على أن الزواج والطلاق قدر من الله برغم اختياراتنا وقراراتنا وأفعالنا ، وأهالينا واخواتنا الطيبين عارفين ده كويس ولما بيحصل حاجة بيقولوا قسمة ونصيب .
ثم قوله تعالى ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) التوبة.
وهذا القول رد على فرح المنافقين بما أصاب المسلمين في جهادهم وقتالهم مع الكفار وأن المنافقين لم يصيبهم ما أصاب المسلمين من فقد للأنفس والأموال لأنهم تخلفوا عن القتال مع المسلمين ولم يخرجوا معهم .​


حديث ابن عمر في ضرورة الايمان بالقدر خيره وشره :

الكلام التاني في القدر يجمع بين القدر المكتوب القديم وبين الكائن المحدث حيث يقول تعالى في سورة الرعد " لكل أجل كتاب ( أي القدر المثبوت في الكتاب ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( وهو المحدث ) وعنده أم الكتاب
فهل هذا المذهب والكلام التاني يتعارض مع قول ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث الذي ذكره الامام مسلم في أول صحيحه في كتاب الايمان عن ضرورة الايمان بالقدر خيره وشره،
سنبين أنه لا يتعارض واننا يمكننا الجمع بينهما حيث أن حديث ابن عمر يرد فقط على من يقول لا قدر مطلقا ،
ومع ذلك ليس في نفي لأمر وشيء آخر وهو ما يستحدث من الحوادث والوقائع .
وسيكون الدليل أيضا من السنة والحديث الصحيح :
حيث قال صلى الله عليه وسلم (
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري في صحيحه .
ثم قوله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام (إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ ٢ أَنِِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ٣ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى) فمعنى الآيات أن الله ينذرهم بعذاب مهلك أليم سيقع بهم في حال اصرارهم على كفرهم ، وأن الايمان وعبادة الله وحده وطاعته ستمنع هذا العذاب المهلك في الدنيا وتكفر عنهم ذنوبهم يوم الحساب وتمد لهم في اعمارهم الى أجل مسمى ،
وهذا يؤيد مذهبنا ، أن الأجل القديم المكتوب سواء في الرزق والعمر والسعادة والشقاء يمكن أن يصيبه بعض التحديث والتعديل والتغيير .
بل ربما أن هذا التغيير الناسخ هو نفسه صار من القدر المقدور .
قال ابن كثير في تفسير الآيات : "يقول تعالى مخبرا عن نوح، عليه السلام، أنه أرسله إلى قومه آمرا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم" .
قلت : وهذا الرفع الذي ذكره ابن كثير هو المقصود بالمحدث من القدروتغيير الأجل القديم المكتوب ، وحينئذ لا مجال لأحد من الذين يتمسكون بعدم تغيير القدر المكتوب أن يكذبوا وعد الله وأن الله يعد ما لا يقبل أن يكون وأن يقع .
ثم يؤكد ذلك ابن كثيرا بعد عطف قوله تعالى {ويؤخركم إلى أجل مسمى} قال: أي يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنزجروا عما نهاكم عنه، أوقعه بكم.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحم، يزاد بها في العمر حقيقة؛ كما ورد به الحديث: "صلة الرحم تزيد في العمر"

نعود مرة الى آية الرعد (لِكُلِّ ‌أَجَلٖ ‌كِتَابٞ يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ ) 38-39
فالله قد ينسخ هذا القدر المكتوب في القديم .
قال ابن كثير : وقوله: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت} اختلف المفسرون في ذلك، فقال الثوري، ووكيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ.​


وقال منصور: سألت مجاهدا فقلت: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتْهُ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ عَنْهُمْ وَاجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ. فَقَالَ: حَسَنٌ.
ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدُّخَانِ: 3، 4] قَالَ: يَقْضِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنة مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغير

ثم قال ابن كثير بعد ذكر أقوال أخرى : ومعنى هذه الأقوال:
" أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها، ويثبت منها ما يشاء".

وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد عن ثوبان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر"
وروى الطبري بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال:" كتابان: كتابٌ يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أمّ الكتاب "

أخيرا في الخاتمة للتأكيد على تغيير وتعديل القدر فلو أن القدر ثابت لا يتغير فلا معنى ولا مجال لهذا الحديثين الشريفين الصحيحين.
فالحديث الأول رواه الترمذي

"إنَّ القُلوبَ بينَ إصبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ".

وهذا الحديث ردا أيضا على من قال أن الله قد كتب ما علمه فقط وليس ما شاء أن يقع وقدره .
ونضيف أيضا هذه الآية (وَٱللَّهُ ‌خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَﵞ سورة الصافات وقوله تعالى (إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ . لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ . وَمَا تَشَآءُونَ ‌إِلَّآ ‌أَن ‌يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) التكوير​

نسخ عمر النبي داود عليه السلام :​

وحديث الحاكم في المستدرك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، أمثال الذر، ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم،
فقال آدم: من هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: يا رب من هذا؟
قال: هذا ابنك داود يكون في آخر الأمم .
قال آدم: كم جعلت له من العمر؟ قال: ستين سنة.
قال: يا رب زده من عمري أربعين سنة، حتى يكون عمره مائة سنة.
فقال الله عز وجل: " إذن يكتب ويختم فلا يبدل " . فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه، قال آدم أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟
قال له ملك الموت أو لم تجعلها لابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته ونسي ونسيت ذريته وخطئ فخطئت ذريته
" .
قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . قلت وصححه الترمذي .

اذن ما هي الخلاصة من العلم بهذا الكلام التاني والفائدة من تعلمه ؟


أولا : طمأنينة القلب عند وقوع المقدور والايمان بأنه قد وقع بمشيئة الله .
ثانيا : عدم اليأس والاستسلام حين ترى شواهد للمقدور ، فعليك أن تفعل ما بوسعك ما دام فيك نبض من حياة فترجو رحمة الله وفضله .
حيث يقول تعالى (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن
قال ابن عباس : "يَعْنِي ‌مَسْأَلَةَ ‌عِبَادِهِ إِيَّاهُ الرِّزْقَ وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي ذَلِكَ "
وعن مجاهد عن عبيد بن عمير، {كل يوم هو في شأن} قال: " يجيب داعيا، ويعطي سائلا، أو يفك عانيا، أو يشفي سقيما".
أقول : فالله لم يخلق ويقدر في الأزل والقدم ثم إنه سبحانه بعد ذلك فقط انصرف وجعل ينظر الى خلقه في عالم الشهادة .
اعلموا أحبتي في الله إن العلم بالقدر هو أمر عظيم ومهما أبان العلماء واستنبطوا وتدبروا فما علمنا به في علم الله بما يصنع هو مثل ما نقص طائر بمنقاره من البحر العظيم ،
وفقنا الله واياكم .

مشاهدة فيديو كلام تاني في القدر


 

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
605
مستوى التفاعل
104
استكمالا لموضوع القدر وقضايا العقيدة الاسلامية والايمان هذا الفيديو المفيد الرائع
 
  • Like
التفاعلات: yasma

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
يقول تعالى (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن
ونعمة بالله العلي العظيم
جزاك الله خير يا رب
●●●●
يروى أنَّ امرأةً جاءت إلى كَليم الله موسى عليه السلام تقول له:
"يا كليمَ الله، ادعُ لي ربَّك أن يرزقني الذريَّة، فدعا موسى، فقال الله تعالى: يا موسى، إنِّي كتبتُها عقيمًا، فأخبرها أنَّ الله يقول: إنِّي كتبتها عقيمًا، فانصرفَت، فجاءَته بعد عامٍ وقالت: يا كليمَ الله، ادعُ لي ربَّك أن يرزقَني الذريَّةَ، فدعا موسى، فقال الله جلَّ في علاه: يا موسى، إنِّي كتبتُها عقيمًا، فأخبرها أنَّ الله يقول: إنِّي كتبتُها عقيمًا، فجاءَته في العام الثالث ومعها رَضيع، فقال لها موسى: أهو ولدكِ؟ قالت: نعم، فناجى موسى ربَّه وقال: يا رب، هذه المرأة كُتبَت عقيمًا، فكيف يكون لها ولد؟
فقال الله: يا موسى، إنِّي كلَّما كتبتُ عقيمًا، قالت: يا رحيم، ورَحمتي وسِعَت كلَّ شيء وسبَقَت".
 

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
605
مستوى التفاعل
104
اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم . وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء
 
  • Like
التفاعلات: yasma

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم . وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء
اللهم آمين يا رب العالمين
 
  • Like
التفاعلات: Admin
أعلى أسفل
}