تفسير كيف افترقت الأمة الاسلامية ؟

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
images (4) (31).jpeg

كيف افترقت الأمة الاسلامية ؟

...

أهداف الموضوع

- التحذير من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
- بيان أصل الفرق الاسلامية ومقالاتهم مختصرا .
- الرد على أباطيل وشبهات الفرق .
- بيان أصول أهل السنّة والجماعة .
-

بسم الله
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبيّ الأميّ وبعد ...

في الحديث النبوي الصحيح

تفرقت اليهود

على إحدى وسبعين فِرقة أو اثنتين وسبعين فِرقة
والنصارى

مثل ذلك ،
وتفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فِرقة "
(صححه الترمذي والألباني وغيرهم )

اعلم يرحمك الله ،
أني طالعت من مقالات وكتابات الفرق الاسلامية في كتب علماء المسلمين ،

ووجدت أن المفترق الرئيسي وأهم أسباب فرقة المسلمين
هو مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
والدافع لتلك المخالفة هو
من هوى

أو استكبار
أو اعجاب برأي

أو نسيان أو جهل بأمره
أو تأويل للقرآن برأي وانصراف عن السنّة المفسرة للقرآن

أو نفاق محض أي كفر بالنبوة ..
..
(1)

كيف كانت
أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية وكيفية انشعابها ؟ :
يقول

" الشهرستاني"

صاحب الملل والنحل في بيان ذلك
اعتبرحديث ذي الخويصرة التميمي

إذ قال : اعدل يا محمد فإنك

لم تعدل ،
حتى قال عليه الصلاة و السلام : ( إن لم أعدل فمن يعدل )؟ فعاد اللعين

وقال ( هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى)
وذلك خروج صريح على النبي عليه الصلاة و السلام ،
ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجيا فمن اعترض على الرسول أحق بأن يكون خارجيا،
أو ليس ذلك قولا بتحسين العقل وتقبيحه وحكما بالهوى في مقابلة النص واستكبارا على الأمر بقياس العقل ؟
حتى قال عليه الصلاة و السلام : ( سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة . . . ) الخبر بتمامه .
( الضئضئ : الجنس والأصل )
- يُريد أنه يخرُج من نَسْلِه وعَقِبه – ابن الأثير

(الرميّة : الصيد)
...
(2)


( قلت الحديث بطوله في صحيح البخاري)


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا ،
فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ
قَالَ وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟
فَقَالَ عُمَرُ ائْذَنْ لِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ
قَالَ لَا ، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ ،
يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ،
يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
...

قال ابن الأثير في شرح حديث الخويصرة :

يُريدُ أن دُخُولهم في الإسْلاَم ثم خُرُوجَهم منه لم يَتَمَسَّكوا منه بشيء كالسَّهم الذي دخَل في الرَّميَّةِ ثم نَفَذ فيها وخَرَج منها ولم يَعْلَقْ به منها شيءٌ .
قال الخَطَّابي : قد أجْمَعُ عُلماءُ المسلمين على أن الخَوارِجَ على ضَلالَتهِم فرقةٌ من فِرق المُسلمين وأجازُوا مُنَاكَحَتهم وأكْلَ ذَبَائحهم وقَبولَ شَهادَتهم
..
(3)

كذلك من أسباب المخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

هو اعجاب وتأثر بمقالات و كتابات وفلسفات اليهود و النصارى وغيرهم
تصديقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي رواه البخاري في صحيحه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ .
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟
قَالَ : فَمَنْ ؟!
..
(4)

واعلم أيضا يرحمك الله
ان الفرقة والافتراق الذي نتحدث عنه هو في الأصول وليس الفروع
وهو الذي نرغب ونريد أن نحذر منه
لأنه خطير وعظيم ويورد مهالك يوم القيامة
أعاذنا الله منا واياك
والأصول نقصد بها أسس الدين وثوابته القطعية والمؤكدة
وحتى الظنية والتي وردت بطريق صحيح مادامت تمس العقيدة وما علم من الدين بالضرورة .



و لا تحسب أننا نبالغ أو نهوّل الأمر أو نفزّع المسلمين من غير حاجة
فكثير من الناس يعتقدون انه لا بأس من الاختلاف
مادمنا أننا مسلمين ننطق بالشهادة ونصوم ونصلي
وكما قلت انما نقصد الاختلاف في الأصول وليست الفروع
فمعظم الاختلافات في الفروع هي اختلاف تنوع ، وتيسير ، وتفاضل

وكثير منها تستند على سنّة مقابلة أو قياس آية .
بعكس الاختلافات في الأصول فهي اختلافات تضاد وتناقض وتجرح العقيدة .
ولكي تعرف خطورة ما نتحدث عنه اليك تلك الأحاديث في صحيح البخاري

...
(5)

...

- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ


قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي
فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي
فَيُقَالُ هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
...
- و عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا،
لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ .

( وفي رواية عن أبي سعيد الخدري زيادة )
فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي
فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ
فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي


..

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ

قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ
إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } الْآيَةَ
وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ

مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ

ذَاتَ الشِّمَالِ
فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي
فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ
فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ

{ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ الْحَكِيمُ }

قَالَ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ,,
..

يقول الحافظ في الفتح

قَوْله

( وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ

ذَاتَ الشِّمَالِ )

أَيْ

إِلَى جِهَةِ النَّارِ ،
وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي آخِر " بَابٌ صِفَةُ النَّارِ " انتهى

واختلف شرّاح الحديث في هؤلاء المبعدون
فقيل أنهم المرتدون
وقيل المنافقون
وقيل أصحاب الكبائر
وقيل أصحاب البدع

ونرى أن كل هؤلاء يشملهم الحديث

ونخلص من الأحاديث أن

من المسلمين من أحدث أفعال وأقوال لا يرضى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم
وأن الملائكة عدّوا ذلك تراجع على الأعقاب يعني ترك مما كان عليه صلى الله عليه وسلم

ومما كانوا عليه في عهده
ثم استحقوا الطرد من رحمة الشرب من الحوض بل زاد أنهم يساقون الى النار.
- و عن أنس وعائشة رضي الله عنهما عن النبي قال :

( فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )

(صحيح البخاري)

...

لذا فينبغي ألا نستهين بتلك الخلافات لأنها متصلة بالعقيدة والايمان .

++++++++++++++++

ثم نستكمل سلسلة كيف افترق المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

وبعد وفاته

قد ذكرنا فرقتين رئيستين من أصول الفرق الاسلامية
هما

القدرية و الخوارج
ونستكمل أصول باقي الفرق الاسلامية

وهي

المعتزلة والجهمية والمشبهة والروافض غلاة الشيعة
والمرجئة والجبرية

وأصولهم تنحصر في
" مسائل صفات الله عز وجل "

من تعطيل ونفي لها بزعم التنزيه والتوحيد
أو الغلو في اثباتها حتى حد التشبيه والتمثيل بالمخلوق
أو " مسائل الامامة "
وجعلها ركن أساسي في العقيدة وحصرها في علي رضي الله عنه أو
بنيه وأحفاده .

أو " مسائل الايمان "
والتفرقة بين القول والعمل . ، والتكفير بالكبائر .

والمدهش أننا نجد أن تلك الفرق يكفّر بعضها البعض
بل ويكفّرون أهل السنّة والجماعة.

لذا فالتمس العذر لأمرئ من أهل السنة حين يكفّر تلك الفرق وأشياعها

..

مسئلة هامة

يتسائل الكثير من المسلمين عن سر ذكرنا تلك الفرق في الوقت الحاضر
حيث أننا لم نعد نسمع أحد يتحدث بلسانها
وأو حتى يذكر اسمها باستثناء الشيعة والروافض أو الخوارج
والحقيقة
أن تلك الفرق لم تعد موجودة الآن كجماعات وكيانات بتلك الأسماء
لكن مذاهبها وأفكارها ومبادئها وأذرعها لا زلت تراها في فكر وعقول
وكتابات وكتب وألسنة من الناس
ليس الخاصّة منهم فقط
بل أيضا والعوام خصوصا

في مسائل الجبر والقدر
وغلاة المتصوفة من عقائد منحرفة.

ثم ترى من

يكذّب بعذاب في القبر

أو

يطعن في الصحابة
أو

الشفاعة
أو

ميراث الابنة

أو

حدود مثل الرجم .
أو نظريات الخلق والتطور.

أو أن

النعيم في الجنة والعذاب في النار ليس ماديا ولا حسيّا .
أو

أن الله في كل مكان .

وغيرها الكثير من الأفكار والآراء والمعتقدات .

وقبل

أن نتوه في تاريخ وسيرة الحديث عن الفرق الاسلامية وأباطيلها

علينا أولا أن نظهر ونبين الحق ومذهبه
لكي يتسلح به الناس في مواجهة زيغ وزيف الباطل
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
مواصفات واشتراطات وعلامات أهل السنّة والجماعة

..

* الايمان

بالقدر خيره وشره

* وميزان الأعمال *
وحوض النبي صلى الله عليه وسلم

* وعذاب القبر وفتنته ،
* والقرآن كلام الله غير مخلوق
* ورؤية الله يوم القيامة ،
* ونؤمن بكل ما وصف الله نفسه بلا تشبيه ولا تفسير ،
كالسمع البصر و الكلام والرضى والغضب والعلم والقدرة والحب والبغض وغيرها في الكتاب والسنّة .



* والله على عرشه استوى .
والعرش والكرسي حق .

* وشفاعة النبي (ص) وخروج الموحدين من النار .
* وخروج المسيح الدجال *
ونزول عيسى بن مريم

* والايمان قول وعمل يزيد وينقص ،
* والسمع والطاعة للائمة في غير معصية *
*وتحريم قتال السلطان الذي اجتمعوا عليه .

* وخير الأمّة أبو بكر وعمر *
ولا نطعن في الصحابة

* والجنة والنار مخلوقتان
* ولا نشهد لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار .
* ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله .
* والنفاق هو الكفر .

* وأن محمد (ص) خاتم الأنبياء والمبعوث كافة للناس والجن.

* وأفعال العباد مخلوقة .

* وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه

* ونؤمن أن أولياء الله لهم كرامات .
* ولا نصدق كاهناً ولا عرّافاً .

* محبة الصالحين وبغض العاصين .

...

ثم قال الشهرستاني :

واعتبرحال طائفة أخرى من المنافقين يوم أحد
إذ قالوا :

(هل لنا من الأمر من شيء )
وقولهم :

( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا )
وقولهم

: ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا )
فهل ذلك إلا تصريح بالقدر ؟

. انتهى كلامه.

ومن ملاحظة كلام الشهرستاني رحمة الله عليه نجد
أننا أمام اثنتين ( الخوارج والقدرية) من الفرق الاسلامية والتي حصرها الائمة في ستة

وبعضهم قال أربعة والآخر قال ثمانية فرق رئيسية

تشعبت منها الاثنتان وسبعون فرقة المذكورة سابقا.

ونستكمل موقف المنافقين في غزوة أحد لتوضيح كلام الشهرستاني

يقول الله تعالى

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ،
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ،
يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ،
قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ،
يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ،
قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ،
وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
يقول المنافقون لقد أكرهنا على الخروج الى القتال
ولو أننا لم نخرج لم يقتل أحد منا في أحد ،
ويرد الله قائلا أن القتل مكتوب على المقتولين بقدره وتقديره في اللوح المحفوظ
..

من أهم وأعظم اختلاف حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

...

ذكره الشهرستاني في الإمامة وقال :د

، وأعظم خلاف بين الأمة ، خلاف " الإمامة " ،
إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان ،
وقد سهل الله تعالى في الصدر الأول فاختلف المهاجرون والأنصار فيها
فقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري
فاستدركه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ....
وإنما سكتت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي عليه الصلاة و السلام :
الأئمة من قريش
وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين :
أحدهما : الاختلاف في الإمامة
والثاني : الاختلاف في الأصول .

والاختلاف في الإمامة على وجهين :


أحدهما : القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار .

والثاني : القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين .
فمن قال : إن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار قال بإمامة كل من اتفقت عليه الأمة أو جماعة معتبرة من الأمة : إما مطلقا وإما بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم
وبشرط أن يكون هاشميا على مذهب قوم إلى شرائط أخرى كما سيأتي
ومن قال بالأول قال بإمامة معاوية وأولاده وبعدهم بخلافة مروان وأولاده
ومن قالوا إن الإمامة تثبت بالنص اختلفوا بعد علي رضي الله عنه :
فمنهم من قال : إنه نص على ابنه محمد بن الحنفية وهؤلاء هم الكيسانية ثم اختلفوا بعده :
فمنهم من قال : إنه لم يمت ويرجع فيملأ الأرض عدلا :
ومنهم من قال : إنه مات وانتقلت الإمامة بعده إلى ابنه أبي هاشم وافترق هؤلاء :
فمنهم من قال : الإمامة بقيت في عقبه وصية بعد وصية
ومنهم من قال : إنها انتقلت إلى غيره واختلفوا في ذلك الغير :
فمنهم من قال : هو بنان بن سمعان النهدي
ومنهم من قال : هو علي بن عبد الله بن عباس
ومنهم من قال : هو عبد الله بن حرب الكندي
ومنهم من قال : هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
وهؤلاء كلهم يقولون : إن الدين طاعة رجل ، ويتأولون أحكام الشرع كلها على شخص معين كما ستأتي مذاهبهم ،
وأما من لم يقل بالنص على محمد بن الحنفية ، فقال بالنص على الحسن والحسين رضي الله عنهما وقال : لا إمامة في الأخوين إلا الحسن والحسين رضي الله عنهما ثم اختلفوا :
فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن فقال بعده بإمامة ابنه الحسن ثم ابنه عبد الله ثم ابنه محمد ثم أخيه إبراهيم الإمامين وقد خرجا في أيام المنصور فقتلا في أيامه
ومن هؤلاء من يقول برجعة محمد الإمام
ومنهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين وقال بعده بإمامة ابنه علي بن الحسين زين العابدين نصا عليه ثم اختلفوا بعده :
فقالت الزيدية بإمامة ابنه زيد ومذهبهم أن كل فاطمي خرج وهو عالم زاهد شجاع سخي كان إماما واجب الاتباع وجوزوا رجوع الإمامة إلى أولاد الحسن
ثم منهم من وقف وقال بالرجعة
ومنهم من ساق وقال بإمامة كل من هذا حاله في كل زمان وسيأتي فيما بعد تفصيل مذاهبهم
وأما الإمامية : فقالوا بإمامة محمد بن علي الباقر نصا عليه ثم بإمامة جعفر بن محمد الصادق وصية إليه ثم اختلفوا بعده في أولاده : من المنصوص عليه ؟ وهم خمسة :
محمد وإسماعيل وعبد الله وموسى وعلي :
فمنهم من قال بإمامة محمد وهم العمارية
ومنهم من قال بإمامة إسماعيل وأنكر موته في حياة أبيه وهم المباركية :
ومن هؤلاء من وقف عليه وقال برجعته
ومنهم من ساق الإمامة في أولاده نصا بعد نص إلى يومنا هذا وهم الإسماعيلية
ومنهم من قال بإمامة عبد الله الأفطح وقال برجعته بعد موته لأنه مات ولم يعقب
ومنهم من قال بإمامة موسى نصا عليه إذ قال والده : سابعكم قائمكم ألا وهو سمي صاحب التوراة ثم هؤلاء اختلفوا :
فمنهم من اقتصر عليه وقال برجعته إذ قال لم يمت هو
ومنهم من توقف في موته وهم الممطورة
ومنهم من قطع بموته وساق الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا وهم القطعية ثم هؤلاء اختلفوا في كل ولد بعده :
فالاثنا عشرية ساقوا الإمامة من علي الرضا إلى ابنه محمد ثم إلى ابنه علي ثم إلى ابنه الحسن ثم إلى ابنه محمد القائم المنتظر الثاني عشر وقالوا : هو حي لم يمت ويرجع فيملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا
وغيرهم ساقوا الإمامة إلى الحسن العسكري ثم قالوا بإمامة أخيه جعفر وقالوا بالتوقف عليه أو قالوا بالشك في حال محمد ولهم خبط طويل في سوق الإمامة والتوقف والقول بالرجعة بعد الموت والقول الغيبة ثم بالرجعة بعد الغيبة
فهذه جملة الاختلاف في الإمامة ..

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
أما الاختلافات في الأصول :

فحدثت في آخر أيام الصحابة ،

بدعة "معبد الجهني "

وغيلان الدمشقي ويونس الأسواري
في

القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر
ونسج على منوالهم واصل بن عطاء الغزال وكان تلميذ الحسن البصري وتلمذ له عمرو بن عبيد وزاد عليه في مسائل القدر
وكان عمرو من دعاة يزيد الناقص أيام بني أمية ثم والي المنصور وقال بإمامته ومدحه المنصور يوما فقال : نثرت الحب للناس فلقطوا غير عمرو بن عبيد .



والوعيدية من الخوارج والمرجئة من الجبرية والقدرية
ابتدءوا بدعتهم في زمان الحسن واعتزل واصل عنهم وعن أستاذه بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين فسمي هو وأصحابه معتزلة وقد تلمذ له زيد بن علي وأخذ الأصول فلذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة

ومن رفض زيد بن علي لأنه خالف مذهب آبائه في الأصول وفي التبري والتولي وهم أهل الكوفة وكانوا جماعة سموا رافضة
ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة

كتب الفلاسفة

حين نشرت أيام

" المأمون" فخلطت مناهجها بمناهج الكلام وأفردتها فنا من فنون العلم وسمتها باسم الكلام :
إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام فسمي النوع باسمها ،
- قلت : يقصد كلام الله -
وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق ، والمنطق والكلام مترادفان .
وكان أبو الهذيل العلاف - شيخهم الأكبر - وافق الفلاسفة في أن الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته وكذلك قادر بقدرة وقدرته ذاته وأبدع بدعا في الكلام والإرادة وأفعال العباد والقول بالقدر والآجال والأرزاق كما سيأتي في حكاية مذهبه
وجرت بينه وبين هشام بن الحكم مناظرات في أحكام التشبيه
وأبو يعقوب الشحام والآدمي صاحبا أبي الهذيل وافقاه في ذلك كله .
ثم إبراهيم بن سيار النظام - في أيام المعتصم - كان أغلى في تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع في القدر والرفض وعن أصحابه بمسائل نذكرها
ومن أصحابه : محمد بن شبيب وأبو شمر وموسى بن عمران والفضل الحدثي وأحمد بن خابط
ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب إليه من البدع
وكذلك الإسكافية أصحاب أبي جعفر الإسكافي
والجعفرية أصحاب الجعفر بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب.
ثم ظهرت بدع بشر بن المعتمر من القول بالتولد والإفراط فيه والميل إلى الطبيعيين من الفلاسفة والقول بأن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل وإذا فعل ذلك فهو ظالم إلى غير ذلك مما تفرد به عن أصحابه
وتلمذ له أبو موسى المزدار راهب المعتزلة وانفرد عنه بإبطال إعجاز القرآن من جهة الفصاحة والبلاغة وفي أيامه جرت أكثر التشديدات على السلف لقولهم بقدم القرآن
وتلمذ له الجعفران وأبو زفر ومحمد بن سويد صاحبا المزدار وأبو جعفر الإسكافي وعيسى بن الهيثم صاحبا جعفر بن حرب الأشج.
وممن بالغ في القول بالقدر

: هشام بن عمرو الفوطي والأصم من أصحابه وقدحا في إمامة علي رضي الله عنه بقولهما : إن الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم
والفوطي والأصم اتفقا على أن الله تعالى يستحيل أن يكون عالما بالأشياء قبل كونها،
ومنعا كون المعدوم شيئا .
وأبو الحسين الخياط وأحمد بن علي الشطوي صحبا عيسى الصوفي ثم لزما أبا مجالد
وتلمذ الكعبي لأبي الحسين الخياط ومذهبه بعينه مذهبه .
وأما معمر بن عباد السلمي وثمامة بن أشرس النميري وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فكانوا في زمان واحد متقاربين في الرأي والاعتقاد منفردين عن أصحابهم بمسائل في موضعها نذكرها .
والمتأخرون : منهم أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار
وأبو الحسين البصري قد لخصوا طرق أصحابهم وانفردوا عنهم بمسائل ستأتي .
أما رونق الكلام فابتداؤه من الخلفاء العباسيين : هارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وانتهاؤه من الصاحب بن عباد وجماعة من الديالمة.
وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين مثل : ضرار بن عمرو وحفص الفرد والحسين النجار.
ومن المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل ونبغ منهم

جهم بن صفوان في أيام نصر بن سيار وأظهر بدعته في الجبر بترمذ وقتله سالم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية بمرو...
..
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات وكان السلف يناظرونهم عليها لا على قانون كلامي بل على قول إقناعي ،

ويسمون الصفاتية :
فمن مثبت صفات الباري تعالى معاني قائمة بذاته ،
ومن مشبه صفاته بصفات الخلق وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة ويناظرون المعتزلة في قدم العالم على قول ظاهر .
وكان عبد الله بن سعيد الكلابي وأبو العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي أشبههم إتقانا وأمتنهم كلاما ،
وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وبين أستاذه أبي علي الجبائي

في بعض مسائل التحسين والتقبيح فألزم الأشعري أستاذه أمورا لم يخرج عنها بجواب

فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية فصار ذلك مذهبا منفردا ،
وقرر طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني والأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني والأستاذ أبي بكر بن فورك وليس بينهم كثير اختلاف .
ونبغ رجل متنمس

متستر

بالزهد من سجستان يقال له أبو عبد الله محمد بن كرام ،
قليل العلم قد قمش ( قمش من كل مذهب : أخذ رذالته ) من كل مذهب ضغثا ( الضغث : الباطل والكلام المخلط الفاسد )
وأثبته في كتابه وروّجه على أغتام ( الذين لا يفصحون ) غرجة وغور وسواد بلاد خراسان فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا
وقد نصره محمود بن سبكتكين السلطان وصب البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم
وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهم مجسمة وحاشا غير محمد بن الهيصم فإنه مقارب .

____________________________
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
ذكر الفرق الاسلامية مختصرا

...
قال أبو الفِرج الجَوْزي : فإن قيل هذه الفِرقَ معروفة؛ فالجواب أنا نعرف الافتراق وأصول الفِرق وأن كل طائفة من الفِرق انقسمت إلى فِرَق ، وإن لم نُحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها ،
فقد ظهر لنا من أصول الفِرق

الحَرُوريّة والقَدَرِية والجَهْمِية والمَرجِئة والرافِضَة والجَبْرِية .
وقال بعض أهل العلم : أصل الفِرق الضّالة هذه الفِرق السّتْ ، وقد انقسمت كل فِرقة منها آثنتي عشرة فِرقة ، فصارت آثنتين وسبعين فِرقة .
انقسمت الحَرُوريّة آثنتي عشرة فرقة

فأولهم الأزْرَقِيَّةُ قالوا : لا نعلم أحدا مؤمنا؛ وكفّروا أهل القِبْلة إلاَ من دان بقولهم .
والأباضية قالوا : من أخذ بقولنا فهو مؤمن ، ومن أعرض عنه فهو منافق .
والثعلبية قالوا : إن الله عز وجل لم يقض ولم يُقَدَّر .
والخازِمِيّة قالوا : لا ندري ما الإيمان ، والخلق كلهم معذورون .
والخلَفِيَة زعموا

أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى كفر .
والكوزية قالوا : ليس لأحد أن يَمسّ أحدا وأنه لا يعرف الطاهر من النّجس ولا أن يؤاكله حتى يتوب ويغتسل .
والكَنزيّة قالوا : لا يسع أحدا أن يعطي مالَه أحدا؛ لأنه ربما لم يكن مستحقا بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق .
والشّمراخِيّة قالوا

: لا بأس بمسِّ النساء الأجانب لأنهن رياحين .
والأخْنَسية قالوا : لا يلحق الميت بعد موته خير ولا شر .
والحكميّة قالوا

: مَن حاكم إلى مخلوق فهو كافر .
والمعتزلة قالوا : اشتبه علينا أمر علي ومعاوية فنحن نتبرأ من الفريقين .
والميمونية قالوا : لا إمام إلا برضا أهل محبتنا .

وانقسمت القَدَرية اثنتى عشرة فرقة

: الأحمرية وهي التي زعمت أن في شرط العدل من الله أن يملّك عباده أمورَهم ، ويحول بينهم وبين معاصيهم .
والثَّنَويّة وهي

التي زعمت أن الخير من الله والشر من الشيطان .
والمعتزلة وهم الذين قالوا بخلق القرآن وجحدوا ( صفات ) الرّبوبيّة .
والكَيْسانية وهم الذين قالوا : لا ندري هذه الأفعال من الله أو من العباد ، ولا نعلم أيثاب الناس بعدُ أو يعاقبون .
والشيطانية قالوا : إن الله تعالى لم يخلق الشيطان .

والشّريكية قالوا : إن السيئات كلها مقدّرة إلا الكفر .
والوَهْميّة قالوا : ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات ، ولا للحسنة والسيئة ذات .
والزِّبْرية قالوا

: كل كتاب نزل من عند الله فالعمل به حق ، ناسخاً كان أو منسوخاً .
والمسعدية زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته
والناكِثية زعموا أن من نكث بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إثم عليه .
والقاسِطية تبعوا إبراهيم بن النظام في قوله :

من زعم أن الله شيء فهو كافر .
..

وانقسمت المرجئة اثنتى عشرة فرقة

: التّارِكيّة قالوا

ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به ، فمن آمن به فليفعل ما شاء .
والسّائِبيّة قالوا : إن الله تعالى سيب خلقه ليفعلوا ما شاءوا .
والراجِيّة قالوا : لا يُسمّى الطائع طائعاً ولا العاصي عاصياً ، لأنَا لا ندري ما لَه عند الله تعالى .
والسّالِبيّة قالوا

: الطاعة ليست من الإيمان .
والبهيشية قالوا : الإيمان عِلْمٌ ومن لا يعلم الحق من الباطل والحلال من الحرام فهو كافر .
والعَمَلِيّة قالوا : الإيمان عَمَلٌ .
والمَنْقُوصيّة قالوا : الإيمان لا يزيد ولا ينقص .
والمسْتَثْنِية قالوا : الاستثناء من الإيمان .
والمشبِّهة قالوا : بَصَرٌ كبصرٍ ويَدٌ كيدٍ .
والحشوية قالوا : حكم الأحاديث كلها واحد؛ فعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض .
والظاهِرِية الذين نفوا القياس .
والبِدْعية أوّل من ابتدع هذه الأحداث في هذه الأُمة .
وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة :

العلوية قالوا

: إن الرسالة كانت إلى عليّ وإن جبريل أخطأ .
والأمِرِيّة قالوا : إن عليّاً شريك محمد في أمره .
والشِّيعة قالوا

إن عليّاً رضي الله عنه وصِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووَليُّه من بعده ، وإن الأمّة كفرت بمبايعة غيره .

والإسحاقية قالوا

: إن النبوّة متصلة إلى يوم القيامة ، وكلّ مَن يعلم علم أهل البيت فهو نبيّ .
والناوُوسيّة قالوا : عليّ أفضل الأمة ، فمن فضّل غيره عليه فقد كفر .
والإمامية قالوا : لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين ، وإن الإمام يعلِّمه جبريل عليه السلام ، فإذا مات بدّل غيره مكانه .
والزيدِية قالوا : ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات ، فمتى وُجد منهم أحد لم تجز الصلاةُ خلف غيرهم ، برّهم وفاجرهم .
والعباسية زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره .
والتناسخية قالوا : الأرواح تتناسخ؛ فمن كان مُحسناً خرجت روحه فدخلت في خلق يسعد بعيشه .
والرَّجعية زعموا أن عليّاً وأصحابه يرجعون إلى الدنيا ، وينتقمون من أعدائهم .
واللاّعِنَة يلعنون عثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأبا موسى وعائشةَ وغيرَهم .
والمتربّصة تشبهوا بزيّ النُّساك ونصبوا في كل عصر رجلاً ينسُبون إليه الأمر ، يزعمون أنه مَهدِيُّ هذه الأُمة ، فإذا مات نصبوا آخر .

ثم انقسمت الجَبْرية اثنتى عشرة فرقة

: فمنهم المضطرية قالوا : لا فعل للآدميّ ، بل الله يفعل الكل .
والأفعالية قالوا : لنا أفعال ولكن لا استطاعة لنا فيها ، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل .
والمفروغية قالوا : كل الأشياء قد خُلقت ، والآن لا يُخلق شيء .
والنجارية زعمت أن الله تعالى يعذّب الناس على فعله لا على فعلهم .
والمنّانيّة قالوا : عليك بما يخطر بقلبك ، فافعل ما توسّمت منه الخير .
والكَسْبية قالوا : لا يكتسب العبد ثواباً ولا عقاباً .
والسّابقية قالوا : من شاء فليعمل ومن شاء ( ف ) لا يعمل ، فإن السعيد لا تضرّه ذنوبه والشّقي لا ينفعه بِرّه .
والحِبِّية قالوا : من شرب كأس محبة الله تعالى سقطت عنه عبادة
الأركان .
والخوفية قالوا : من أحبّ الله تعالى لم يسعه أن يخافه؛ لأن الحبيب لا يخاف حبيبه .

والفكرية قالوا : من ازداد علماً أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة .
والخشبية قالوا : الدنيا بين العباد سواء ، لا تفاضُل بينهم فيما ورَّثَهم أبوهم آدم .
والمَنّيّه قالوا : منا الفعل ولنا الاستطاعة .

الرد على مقالات أهل الفرق المبتدعة

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
أول الشبهات
" المعتزلة والجهمية والروافض والخوارج "

ينفون رؤيتنا لله تعالى يوم القيامة
__
يقول ابن ابي العز في شرح العقيدة الطحاوية:

الْمُخَالِفُ فِي الرُّؤْيَةِ: الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْإِمَامِيَّةِ.
وَقَوْلُهُمْ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَدْ قَالَ بِثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ،
وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ،
وَأَهْلُ الْحَدِيثِ،
وَسَائِرُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَنْسُوبُونَ إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَشْرَفِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ وَأَجَلِّهَا،

وَهِيَ الْغَايَةُ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا الْمُشَمِّرُونَ، وَتَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ، وَحُرِمَهَا الَّذِينَ هُمْ عَنْ رَبِّهِمْ مَحْجُوبُونَ، وَعَنْ بَابِهِ مَرْدُودُونَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ قَوْلَهُ تَعَالَى:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(2).

وَهِيَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ.
وَأَمَّا مَنْ أَبَى إِلَّا تَحْرِيفَهَا بِمَا يُسَمِّيهِ تَأْوِيلًا، فَتَأْوِيلُ

نُصُوصِ الْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ، أَسْهَلُ مِنْ تَأْوِيلِهَا عَلَى أَرْبَابِ التَّأْوِيلِ.
وَلَا يَشَاءُ مُبْطِلٌ أَنْ يَتَأَوَّلَ النُّصُوصَ وَيُحَرِّفَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا إِلَّا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ مَا وَجَدَهُ مُتَأَوِّلُ هَذِهِ النُّصُوصِ.
وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الدُّنْيَا وَالدِّينَ. وَهَكَذَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي نُصُوصِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَحَذَّرَنَا اللَّهُ أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَهُمْ. وَأَبَى الْمُبْطِلُونَ إِلَّا سُلُوكَ سَبِيلِهِمْ،
وَكَمْ جَنَى التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ مِنْ جِنَايَةٍ.
فَهَلْ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ!
وَكَذَا مَا جَرَى فِي يَوْمِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْحَرَّةِ ؟
وَهَلْ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ، وَاعْتَزَلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَرَفَضَتِ الرَّوَافِضُ،


وَافْتَرَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،

إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ؟ !
وَإِضَافَةُ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ، الَّذِي هُوَ مَحِلُّهُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَعْدِيَتُهُ بِأَدَاةِ إِلَى الصَّرِيحَةِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ، وَإِخْلَاءُ الْكَلَامِ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِه(3). حَقِيقَةٍ مَوْضُوعَةٍ صَرِيحَةٍ فِي أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِذَلِكَ نَظَرَ الْعَيْنِ
الَّتِي فِي الْوَجْهِ إِلَى الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ.

__________
(1) سورة الْقِيَامَةِ الآيتان 22، 23.
(2) سورة الْقِيَامَةِ الآيتان 22، 23.
(3) في المطبوعة (خلاف) بدون الضمير، وهو خطأ يختل به سياق الكلام.

فَإِنَّ النَّظَرَ لَهُ عِدَّةُ اسْتِعْمَالَاتٍ، بِحَسَبِ صِلَاتِهِ وَتَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ:
فَإِنْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ:
التَّوَقُّفُ وَالِانْتِظَارُ،

{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}

(1).

وَإِنْ عُدِّيَ بِـ"فِي"فَمَعْنَاهُ:
التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ، كَقَوْلِهِ:

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

(2).
وَإِنْ عُدِّيَ بِـ"إِلَى"فَمَعْنَاهُ:
الْمُعَايَنَةُ بِالْأَبْصَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}(3).
فَكَيْفَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْبَصَرِ؟
وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}(10) فَالْحُسْنَى: الْجَنَّةُ،
وَالزِّيَادَةُ: هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَسَّرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ،
كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ:
«قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}(11)،
قَالَ: ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ،
فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ ؟
فَيُكْشِفُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ».
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَلْفَاظٍ أُخَرَ، مَعْنَاهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَذَلِكَ فَسَّرَهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ ذَلِكَ(12). عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى:

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}

(13).
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ،

ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ

وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا:

مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}(14) ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ

لَمَّا أَنَّ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ ،
كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا.
__________

سورة الْحَدِيدِ آية 13.
(2) سورة الْأَعْرَافِ آية 185.
(3) سورة الْأَنْعَامِ آية 99.
(4) سورة القيامة الآيتان 22، 23.
(5) سورة القيامة آية 23.
(6) سورة القيامة آية 23.
(7) سورة القيامة آية 22.
(8) سورة القيامة آية 23.
(9) سورة ق آية 35.
(10) يونس آية 26.
(11) سورة يُونُسَ آية 26
(12) الزيادة ضرورية لاتساق الكلام. وانظر الطبري 11: 73- 76.
(13) سورة الْمُطَفِّفِينَ آية 15.
(14) سورة الْمُطَفِّفِينَ آية 15


وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

{قَالَ لَنْ تَرَانِي}

(1)،
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}

(2).
فَالْآيَتَانِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ.
الْآيَةُ الْأُولَى:
فَالْاسْتِدْلَالُ مِنْهَا عَلَى ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا

أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِكَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ فِي وَقْتِهِ - أَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ.
الثَّانِي

أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ،

وَلَمَّا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ نَجَاةَ ابْنِهِ أَنْكَرَ سُؤَالَهُ، وَقَالَ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(3).
الثَّالِثُ

أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ

{لَنْ تَرَانِي}(4)،
وَلَمْ يَقُلْ

إِنِّي لَا أُرَى، أَوْ لَا تَجُوزُ رُؤْيَتِي، أَوْ لَسْتُ بِمَرْئِيٍّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ظَاهِرٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كُمِّهِ حَجَرٌ فَظَنَّهُ رَجُلٌ طَعَامًا فَقَالَ: أَطْعِمْنِيهِ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَعَامًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرْئِيٌّ، وَلَكِنَّ مُوسَى لَا تَحْتَمِلُ قُوَاهُ رُؤْيَتَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ

وَهُوَ قَوْلُهُ

{وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (1).
فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ مَعَ قُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِلتَّجَلِّي فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَكَيْفَ بِالْبَشَرِ الَّذِي خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ ؟
الْخَامِسُ

أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُسْتَقِرًّا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ، وَقَدْ عَلَّقَ بِهِ الرُّؤْيَةَ، وَلَوْ كَانَتْ مُحَالًا لَكَانَ نَظِير أَنْ يَقُولَ: إِنِ اسْتَقَرَّ الْجَبَلُ فَسَوْفَ آكُلُ وَأَشْرَبُ وَأَنَامُ. وَالْكُلُّ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ.
السَّادِسُ

قَوْلُهُ تَعَالَى

{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}(5)،
فَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ جَمَادٌ لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا عِقَابَ،
فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَجَلَّى لِرُسُلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ؟
وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْجَبَلَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لِرُؤْيَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَالْبَشَرُ أَضْعَفُ.
السَّابِعُ

أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى وَنَادَاهُ وَنَاجَاهُ، وَمَنْ جَازَ عَلَيْهِ التَّكَلُّمُ وَالتَّكْلِيمُ وَأَنْ يُسْمِعَ مُخَاطِبَهُ كَلَامَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ - فَرُؤْيَتُهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
وَلِهَذَا لَا يَتِمُّ إِنْكَارُ رُؤْيَتِهِ إِلَّا بِإِنْكَارِ كَلَامِهِ، وَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ تَأْيِيدُ النَّفْيِ بِـ ((لَنْ)) وَأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَفَاسِدٌ، فَإِنَّهَا لَوْ قُيِّدَتْ بِالتَّأْبِيدِ لَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ النَّفْيِ فِي الْآخِرَةِ، فَكَيْفَ إِذَا أُطْلِقَتْ ؟
قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}(6)، مَعَ قَوْلِهِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}(7).
وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ الْمُطْلَقِ لَمَا جَازَ تَحْدِيدُ الْفِعْلِ بَعْدَهَا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}(8).
فَثَبَتَ أَنَّ ((لَنْ)) لَا تَقْتَضِي النَّفْيَ الْمُؤَبَّدَ.
قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
وَمَنْ رَأَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا... فَقَوْلُهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا
__________

(1) سورة الْأَعْرَافِ آية 143.
(2) سورة الْأَنْعَامِ آية 103.
(3) سورة هُودٍ آية 46.
(4) سورة الأعراف آية 143.
(5) سورة الْأَعْرَافِ آية 143.
(6) سورة الْبَقَرَةِ آية 95.
(7) سورة الزُّخْرُفِ آية 77.
(8) سورة يُوسُفَ آية 80.


 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ

فَالْاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ لَطِيفٍ، وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ التَّمَدُّحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، وَأَمَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَيْسَ بِكَمَالٍ فَلَا يُمْدَحُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُمْدَحُ الرَّبُّ تَعَالَى بِالنَّفْيِ إِذَا تَضَمَّنَ أَمْرًا وُجُودِيًّا، كَمَدْحِهِ بِنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقَيُّومِيَّةِ، وَنَفْيِ الْمَوْتِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْحَيَاةِ، وَنَفْيِ اللُّغُوبِ وَالْإِعْيَاءِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقُدْرَةِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالظَّهِيرِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَقَهْرِهِ، [وَنَفْيِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ صمديته وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ تَوَحُّدِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ](1)، وَنَفْيِ الظُّلْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عَدْلِهِ وَعِلْمِهِ وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ النِّسْيَانِ وَعُزُوبِ شَيْءٍ عَنْ عِلْمِهِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَنَفْيِ الْمِثْلِ، الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَتَمَدَّحْ بِعَدَمٍ مَحْضٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُشَارِكُ الْمَوْصُوفَ فِي ذَلِكَ الْعَدَمِ، وَلَا يُوصَفُ الْكَامِلُ بِأَمْرٍ يَشْتَرِكُ هُوَ وَالْمَعْدُومُ فِيهِ،
فَإِنَّ الْمَعْنَى:
أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ،
فَقَوْلُهُ

{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}(2)،
يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ لَا يُدْرَكُ بِحَيْثُ يُحَاطُ بِهِ،
فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى

{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّالَمُدْرَكُونَ}{قَالَ كَلَّا}(3)،
فَلَمْ يَنْفِ مُوسَى الرُّؤْيَةَ، وَإِنَّمَا نَفَى الْإِدْرَاكَ، فَالرُّؤْيَةُ وَالْإِدْرَاكُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُوجَدُ مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ،
فَالرَّبُّ تَعَالَى يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا

وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ مِنَ الْآيَةِ، كَمَا ذُكِرَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
بَلْ هَذِهِ الشَّمْسُ الْمَخْلُوقَةُ لَا يَتَمَكَنُّ رَائِيهَا مِنْ إِدْرَاكِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.
( قلت وكذلك القمر والنجوم)
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، الدَّالَّةُ عَلَى الرُّؤْيَةِ فَمُتَوَاتِرَةٌ، رَوَاهَا أَصْحَابُ الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ.
فَمِنْهَا

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟
قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟
قَالُوا: لَا،
قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ»،
الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) بِطُولِهِ.
__________

(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من النسخ الأخرى. ن.
(2) سورة الْأَنْعَامِ آية 103.
(3) سورة الشُّعَرَاءِ الآيتان 61-62.
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) نَظِيرُهُ.
وَحَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ:
«كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ»،
الْحَدِيثَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ)))).
وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الْمُتَقَدِّمُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ:
«جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا،
وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ»،

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَمِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ،
فَلَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ ؟
فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ،
فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ ؟
فَيَقُولُ، بَلَى يَا رَبِّ».
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ
وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا.

وَمَنْ أَحَاطَ بِهَا مَعْرِفَةً يَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّسُولَ قَالَهَا، وَلَوْلَا أَنِّي الْتَزَمْتُ الْاخْتِصَارَ لَسُقْتُ مَا فِي الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيُوَاظِبْ سَمَاعَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ
فَإِنَّ فِيهَا مَعَ إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ يُكَلِّمُ مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ،
وَأَنَّهُ يَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ،
وَأَنَّهُ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ،
وَأَنَّهُ يَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ،
وَأَنَّهُ يَضْحَكُ،
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي سَمَاعُهَا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّوَاعِقِ.
وَكَيْفَ تُعْلَمُ أُصُولُ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ؟
وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُ رَسُولِهِ، الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ ؟
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}. مَا الْأَبُّ ؟
فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ ؟
وَلَيْسَ تَشْبِيهُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَشْبِيهًا لِلَّهِ، بَلْ هُوَ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، لَا تَشْبِيهُ الْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، وَلَكِنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ.
وَإِلَّا فَهَلْ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِلَا مُقَابَلَةٍ ؟
وَمَنْ قَالَ: يُرَى لَا فِي جِهَةٍ، فَلْيُرَاجِعْ عَقْلَهُ

!!
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ أو فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ،
وَإِلَّا فَإِذَا قَالَ يُرَى لَا أَمَامَ الرَّائِي وَلَا خَلْفَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ، رَدَّ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ بِفِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ.
وَلِهَذَا أَلْزَمَ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ نَفَى الْعُلُوَّ بِالذَّاتِ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: كَيْفَ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِغَيْرِ جِهَةٍ.
وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ فِي الدُّنْيَا لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا، لَا لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ، فَهَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا حَدَّقَ الرَّائِي الْبَصَرَ فِي شُعَاعِهَا ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهَا، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ، بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي،
فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ قُوَى الْآدَمِيِّينَ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ.
وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ، خَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ سورة الْأَعْرَافِ آية 143،
بِأَنَّهُ لَا يَرَاكَ حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَشَرُ يَعْجِزُونَ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ فِي صُورَتِهِ، إِلَّا مَنْ أَيَّدَهُ اللَّهُ كَمَا أَيَّدَ نَبِيَّنَا، قَالَ تَعَالَى

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ}(1).
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَرَوُا الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ، فَلَوْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَةِ بِشَرٍ، وَحِينَئِذٍ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ: هَلْ هُوَ بَشَرٌ أَوْ مَلَكٌ ؟ وَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ بَعَثَ فِينَا رَسُولًا مِنَّا.

وَمَا أَلْزَمَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ هَذَا الْإِلْزَامَ إِلَّا لَمَّا وَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ.
لَكِنَّ قَوْلَ مَنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا يُرَى لَا فِي جِهَةٍ، أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يُرَى وَلَا فِي جِهَةٍ.
وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا وَهُوَ الْجِهَةُ:
أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا أَوْ أَمْرًا عَدَمِيًّا ؟
فَإِنْ أَرَادَ بِهَا أَمْرًا وُجُودِيًّا كَانَ التَّقْدِيرُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٌ لَا يُرَى، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ مَمْنُوعَةٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى إِثْبَاتِهَا، بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ سَطْحَ الْعَالَمِ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى، وَلَيْسَ الْعَالَمُ فِي عَالَمٍ آخَرَ.
وَإِنْ أَرَدْتَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، فَالْمُقْدِمَةُ الثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ بِهَذَا الْاعْتِبَارِ.
وَكَيْفَ يَتَكَلَّمُ فِي أُصُولِ الدِّينِ مَنْ لَا يَتَلَقَّاهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يَتَلَقَّاهُ مِنْ قَوْلِ فُلَانٍ ؟!
وَإِذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَا يَتَلَقَّى تَفْسِيرَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ، وَلَا يَنْظُرُ فِيهَا، وَلَا فِيمَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، الْمَنْقُولِ إِلَيْنَا عَنِ الثِّقَاتِ النَّقَلَةِ، الَّذِينَ تَخَيَّرَهُمُ النُّقَّادُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا نَظْمَ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ، بَلْ نَقَلُوا نَظْمَهُ وَمَعْنَاهُ، وَلَا كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ كَمَا يَتَعَلَّمُ الصِّبْيَانُ، بَلْ يَتَعَلَّمُونَهُ بِمَعَانِيهِ.
وَمَنْ لَا يَسْلُكُ سَبِيلَهُمْ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِرَأْيِهِ،
وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِرَأْيِهِ وَمَا يَظُنُّهُ دِينَ اللَّهِ وَلَمْ يَتَلَقَّ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مَأْثُومٌ وَإِنْ أَصَابَ،
وَمَنْ أَخَذَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مَأْجُورٌ وَإِنْ أَخْطَأَ، لَكِنْ إِنْ أَصَابَ يُضَاعَفُ أَجْرُهُ.

...
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
الثاني من شبهات المبتدعة
...


باب أفعال العباد

..

اختلف الناس في أفعال العباد الاختيارية ،
فزعمت الجبرية ورئيسهم الجهم بن صفوان السمرقندي ،
أن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى، وهي كلها اضطرارية، كحركات المرتعش، والعروق النابضة، وحركات الأشجار، وإضافتها إلى الخلق مجاز ! وهي على حسب ما يضاف الشيء إلى محله دون ما يضاف إلى محصله !


وقابلتهم المعتزلة، فقالوا:
إن جميع الأفعال الاختيارية من جميع الحيوانات بخلقها، لا تعلق لها بخلق الله تعالى. واختلفوا فيما بينهم: أن الله تعالى يقدر على أفعال العباد أم لا ؟ !
وقال أهل الحق:
أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة، وهي مخلوقة لله تعالى،
والحق سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه.
فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا صنع العبد أصلا، كما غلت المشبهة في إثبات الصفات، فشبهوا.
والقدرية نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى. ولهذا كانوا"مجوس هذه الأمة"، بل أردأ من المجوس، من حيث أن المجوس أثبتوا خالقين، وهم أثبتوا خالقين ! !
وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
فكل دليل صحيح تقيمه الجبري،

فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار.
وكل دليل صحيح يقيمه القدري

فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مريد له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته.
فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى - فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة،
من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال،
وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم.
وهذا هو الواقع في نفس الأمر، فإن أدلة الحق لا تتعارض، والحق يصدق بعضه بعضا.
..

تابع - الثاني من شبهات المبتدعة
...


باب أفعال العباد
..


فمما استدلت به الجبرية

قوله تعالى:

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (2).
فنفى الله عن نبيه الرمي، وأثبته لنفسه سبحانه، فدل على أنه لا صنع للعبد. قالوا: والجزاء غير مرتب على الأعمال،
بدليل قوله صلى الله عليه وسلم

«لن يدخل أحد الجنة بعمله".
قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟
قال:"ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
ومما استدل به القدرية،

قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
قالوا: والجزاء مرتب على الأعمال ترتب العوض،
كما قال تعالى

جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (4).
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

(5). ونحو ذلك.
..
فأما ما استدلت به الجبرية

من قوله تعالى:

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (6) -
فهو دليل عليهم؛
لأنه تعالى أثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم رميا،

بقوله: {إِذْ رَمَيْتَ،
فعلم أن المثبت غير المنفي،
وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء: فابتداؤه الحذف، وانتهاؤه الإصابة، وكل منهما يسمى رميا،
فالمعنى حينئذ - والله تعالى أعلم:
وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب.
وإلا فطرد قولهم: وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى ! وما صمت إذ صمت ! وما زنيت إذ زنيت ! وما سرقت إذ سرقت ! ! وفساد هذا ظاهر.
وأما ترتب الجزاء على الأعمال، فقد ضلت فيه الجبرية والقدرية،
وهدى الله أهل السنة، وله الحمد والمنة.
فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات،
فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم: «[لا] يدخل [أحدكم] الجنة بعمله»(7)
- باء العوض،
وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة،
كما زعمت المعتزلة أن العامل يستحق دخول الجنة على ربه بعمله !
بل ذلك برحمة الله وفضله.
__________
شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز الحنفي
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء – شرح قوله

((وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد.
(1) في المطبوعة «الترمذي» ! وهو خطأ يظهر أنه من الناسخين، والجهم بن صفوان ينسب إلى «سمرقند» ويقال له أيضا «الراسبي»، لأنه مولى «بني راسب». انظر ترجمته وأخباره في تاريخ الطبري 9: 66 - 69، وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 56 - 58، وتاريخ ابن كثير 1: 26 - 27، ولسان الميزان 2: 142
(2) الأنفال 17
(3) المؤمنون 14
(4) السجدة 17
(5) الزخرف 72
(6) الأنفال 17
(7) في الأصل: «لن يدخل الجنة بعمله» ! هكذا فقط، والتعديل من المسند 2 / 256. ن

والباء التي في قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1)، ونحوها،
باء السبب، أي بسبب عملكم،
والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته.
..
وأما استدلال المعتزلة بقوله تعالى:

فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (2) -
فمعنى الآية: أحسن المصورين المقدرين.
و"الخلق"يذكر ويراد به التقدير، وهو المراد هنا،
بدليل قوله تعالى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ

أي الله خالق كل شيء مخلوق، فدخلت أفعال العباد في عموم"كل".

وما أفسد قولهم في إدخال كلام الله تعالى في عموم:"كل"، الذي هو صفة من صفاته، يستحيل عليه أن يكون مخلوقا !
وأخرجوا أفعالهم التي هي مخلوقة من عموم"كل"! !
وهل يدخل في عموم"كل"إلا ما هو مخلوق ؟ !
فذاته المقدسة وصفاته غير داخلة في هذا العموم، ودخل سائر المخلوقات في عمومها.
وكذا قوله تعالى

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (4).
ولا نقول إن"ما"مصدرية، أي: خلقكم وعملكم - إذ سياق الآية يأباه؛
لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت، لا النحت،
والآية تدل على أن المنحوت مخلوق لله تعالى، وهو ما صار منحوتا إلا بفعلهم، فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقا لله تعالى،
ولو لم يكن النحت مخلوقا لله تعالى لم يكن المنحوت مخلوقا له، بل الخشب أو الحجر لا غير.
..

تعقيب
..

أعلم ان الكلام يكون صعبا عليكم بعض الشيء

و لكنه
الحق

ومن أراد الحق يسره الله له

أيضا

والله ما عصمني من الزلل والزيغ والضلال
الا تلك الأحاديث والأقوال
من الكتاب المبارك
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي
وهذا منذ أكثر من خمس عشرة سنة
وكل فترة
أعيد قراءته
فالعقل ينسى
والقلب يتوه
فأحسنوا قراءة ما كتبنا وتأملوا وتدبروا

يرحكمكم الله ويهديكم صراط الصديقين والصالحين .

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
شبهة الأولياء

...



يقول الامام الطحاوي -رحمه الله -في العقيدة :

وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ،
وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاء.
ويشرح قوله ابن أبي العز قائلا :
يُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الِاتِّحَادِيَّةِ [وَجَهَلَةِ]

الْمُتَصَوِّفَةِ،
وَإِلَّا فَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ بِمُتَابَع فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مُتَابَعَةَ الرُّسُلِ، قَالَ تَعَالَى

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(2.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(3(.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ

مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا، نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ،

وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ، نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ.
وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا غِشُّ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ،
فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاسَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ، [وَتَصْفِيَةِ](5) نَفْسِهِ، إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقَتِهِمْ !.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ !!
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ !!
وَيَدَّعِي لِنَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ !!
وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ، لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ ! وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ،

وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ

وَهُوَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ - قَالَ: النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ !
وَادَّعَى مِنَ الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَفِيدُونَ مِنْهَا ! كَمَا قَالَ:

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ !

وَهَذَا قَلْبٌ لِلشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
وَالنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَالرِّسَالَةُ أَخَصُّ مِنَ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
__________
(1) في الأصل: (وجملة). ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(2) النِّسَاءِ: 64-65
(3) آلِ عِمْرَانَ: 31
(4) الْأَنْعَامِ: 124
(5) في الأصل: (ويضيف). والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(6) يُونُسَ: 62 - 63..
وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ أَيْضًا فِي فُصُوصِهِ:
وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةَ بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا لَبِنَةً، فَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ،
وَأَمَّا خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَتَيْنِ !!
وَيَرَى نَفْسَهُ تَنْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ اللَّبِنَتَيْنِ، فَيُكْمِلُ الْحَائِطَ !! وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ يَرَاهَا لَبِنَتَيْنِ:
أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ،
وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ وَمَا يَتْبَعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، كَمَا هُوَ أَخْذٌ عَنِ اللَّهِ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ مُتَّبَعٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ ! فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي إِلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ !!
فَمَنْ أَكْفَرُ مِمَّنْ ضَرَبَ لِنَفْسِهِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ ذَهَبٍ، وَلِلرُّسُلِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ فِضَّةٍ،
فَيَجْعَلُ نَفْسَهُ أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنَ الرَّسُولِ ؟!

تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}

وَكَيْفَ يَخْفَى كُفْرُ مَنْ هَذَا كَلَامُهُ ؟
وَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْثَالُ هَذَا، وَفِيهِ مَا يَخْفَى مِنْهُ الْكُفْرُ، وَمِنْهُ مَا يَظْهَرُ،
فَلِهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَاقِدٍ جَيِّدٍ، لِيُظْهِرَ زَيْفَهُ، فَإِنَّ مِنَ الزَّغَلِ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ نَاقِدٍ، وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِلنَّاقِدِ الْحَاذِقِ الْبَصِيرِ
وَكُفْرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ فَوْقَ كُفْرِ الْقَائِلِينَ:

{لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}
وَلَكِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ مُنَافِقُونَ زَنَادِقَةٌ، اتِّحَادِيَّةٌ، فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ،
وَالْمُنَافِقُونَ يُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ، لِإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ، كَمَا كَانَ يُظْهِرُهُ الْمُنَافِقُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ، وَهُوَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ.
فَلَوْ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَا يُبْطِنُهُ مِنَ الْكُفْرِ، لَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ. وَلَكِنْ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ قَبُولِهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
__________
(1) غَافِرٍ: 56
(2) الْأَنْعَامِ: 124



قَوْلُهُ


وَنُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ، وَصَحَّ عَنِ الثِّقَاتِ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ.
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
يشرح ابن ابي العز :
فالْمُعْجِزَةُ فِي اللُّغَةِ تَعُمُّ كُلَّ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ، وَ [ كذلك الكرامة] فِي عُرْفِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفَرِّقُونَ فِي اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا، فَيَجْعَلُونَ الْمُعْجِزَةَ لِلنَّبِيِّ، وَالْكَرَامَةَ لِلْوَلِيِّ. وَجِمَاعُهُمَا: الْأَمْرُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ.
والْكَمَالُ يَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: الْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْغِنَى.
وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تَصْلُحُ عَلَى الْكَمَالِ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.
وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ:
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (1).
وَكَذَلِكَ قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهَذَا أَوَّلُ أُولِي الْعَزْمِ، وَأَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهَذَا خَاتَمُ الرُّسُلِ، وَخَاتَمُ أُولِي الْعَزْمِ، وَكِلَاهُمَا تَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ،
وَهَذَا لِأَنَّهُمْ يُطَالِبُونَهُمْ تَارَةً بِعِلْمِ الْغَيْبِ،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}(2)،
وَتَارَةً بِالتَّأْثِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الْآيَاتِ(3)،
وَتَارَةً يَعِيبُونَ عَلَيْهِمُ الْحَاجَةَ الْبَشَرِيَّةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}(4) الْآيَةَ.
فَأُمِرَ الرَّسُولُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنَالُ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِقَدْرِ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ، فَيَعْلَمُ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَيَسْتَغْنِي عَمَّا أَغْنَاهُ عَنْهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ، أَوْ لِعَادَةِ أَغْلَبِ النَّاسِ.
فَجَمِيعُ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ مَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ.
ثُمَّ الْخَارِقُ: إِنْ حَصَلَ بِهِ فَائِدَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ، كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا دِينًا وَشَرْعًا، إِمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ أَمْرٌ مُبَاحٌ، كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي شُكْرًا،
وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ، كَانَ سَبَبًا لِلْعَذَابِ أَوِ الْبُغْضِ، كَالَّذِي أُوتِيَ الْآيَاتِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا: بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَا، لكن قد يكون صاحبها معذورا .
لِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، أَوْ نَقْصِ عَقْلٍ أَوْ عِلْمٍ، أَوْ غَلَبَةِ حَالٍ، أَوْ عَجْزٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.
فَالْخَارِقُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
مَحْمُودٌ فِي الدِّينِ، وَمَذْمُومٌ، وَمُبَاحٌ.
فَإِنْ كَانَ الْمُبَاحُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَانَ نِعْمَةً، وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا.
__________
(1) الْأَنْعَامِ: 50
(2) النَّازِعَاتِ: 42
(3) الْإِسْرَاءِ: 90
(4)
الْفُرْقَانِ: 7
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَوْزَجَانِيُّ:
كُنْ طَالِبًا لِلِاسْتِقَامَةِ، لَا طَالِبًا لِلْكَرَامَةِ، فَإِنَّ نَفْسَكَ مُتَحَرِّكَةٌ فِي طَلَبِ الْكَرَامَةِ، وَرَبُّكَ يَطْلُبُ مِنْكَ الِاسْتِقَامَةَ.
قَالَ الشَّيْخُ السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي عَوَارِفِهِ:
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْبَابِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ سَمِعُوا عن سَلَفِ الصَّالِحِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمَا مُنِحُوا بِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فَنُفُوسُهُمْ لَا تَزَالُ تَتَطَلَّعُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُرْزَقُوا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَبْقَى مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ، مُتَّهِمًا لِنَفْسِهِ فِي صِحَّةِ عَمَلِهِ، حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ خَارِقٌ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِرِّ ذَلِكَ لَهَانَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ، فَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ عَلَى بَعْضِ الْمُجتهِدِينَ الصَّادِقِينَ مِنْ ذَلِكَ بَابًا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَزْدَادَ بِمَا يَرَى مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَآثَارِ الْقُدْرَةِ - يَقِينًا، فَيَقْوَى عَزْمُهُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالْخُرُوجِ عَنْ دَوَاعِي الْهَوَى. فَسَبِيلُ الصَّادِقِ مُطَالَبَةُ النَّفْسِ بِالِاسْتِقَامَةِ، فَهِيَ كُلُّ الْكَرَامَةِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْقُلُوبِ مِنَ التَّأْثِيرِ أَعْظَمَ مِمَّا لِلْأَبْدَانِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا صَالِحًا، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا فَاسِدًا. فَالْأَحْوَالُ يَكُونُ تَأْثِيرُهَا مَحْبُوبًا لِلَّهِ تَعَالَى تَارَةً، وَمَكْرُوهًا لِلَّهِ أُخْرَى.
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ فِي الْبَاطِنِ.
وَهَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ بِبَوَاطِنِهِمْ وَقُلُوبِهُمُ الْأَمْرَ الْكَوْنِيَّ،

وَيَعُدُّونَ مُجَرَّدَ خَرْقِ الْعَادَةِ لِأَحَدِهِمْ أَنَّهُ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ،

وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا الْكَرَامَةُ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ،

وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكْرِمْ عَبْدًا بِكَرَامَةٍ أَعْظَمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَمُوَالَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُعَادَاةُ أَعْدَائِهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
وَأَمَّا مَا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ، مِنَ السِّرِّ بِخَرْقِ الْعَادَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ بِالضَّرَّاءِ - فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ كَرَامَةِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا هَوَانِهِ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ سَعِدَ بِهَا قَوْمٌ إِذَا أَطَاعُوهُ، وَشِقِيَ بِهَا قَوْمٌ إِذَا عَصَوْهُ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي}{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي}{كَلَّا.
سورة الفجر
وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُمْ بِخَرْقِ الْعَادَةِ، وَقِسْمٌ يَتَعَرَّضُونَ بِهَا لِعَذَابِ اللَّهِ، وَقِسْمٌ يَكُونُ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
..

وَتَنَوُّعُ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ كَلِمَاتِ اللَّهِ.
وَكَلِمَاتُ اللَّهِ نَوْعَانِ: كَوْنِيَّةٌ، وَدِينِيَّةٌ:
فَكَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ هِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: « أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ».
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(1(.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}(2). وَالْكَوْنُ كُلُّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَسَائِرِ الْخَوَارِقِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْكَلِمَاتُ الدِّينِيَّةُ، وَهِيَ الْقُرْآنُ وَشَرْعُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَهِيَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَخَبَرُهُ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهَا الْعِلْمُ بِهَا، وَالْعَمَلُ، وَالْأَمْرُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ حَظَّ الْعِبَادِ عُمُومًا وَخُصُوصًا الْعِلْمُ بِالْكَوْنِيَّاتِ وَالتَّأْثِيرُ فِيهَا، أَيْ بِمُوجَبِهَا.
فَالْأُولَى تَدْبِيرِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ. فَكَشْفُ الْأُولَى الْعِلْمُ بِالْحَوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ، وَكَشْفُ الثَّانِيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقُدْرَةُ الْأُولَى التَّأْثِيرُ فِي الْكَوْنِيَّاتِ، إِمَّا فِي نَفْسِهِ كَمَشْيِهِ عَلَى الْمَاءِ، وَطَيَرَانِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَجُلُوسِهِ فِي النَّارِ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ، بِإِصْحَاحٍ وَإِهْلَاكٍ، وَإِغْنَاءٍ وَإِفْقَارٍ.
وَقُدْرَةُ الثَّانِيَةِ التَّأْثِيرُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، إِمَّا فِي نَفْسِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ فَيُطَاعُ فِي ذَلِكَ طَاعَةً شَرْعِيَّةً.
فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْخَوَارِقِ عِلْمًا وَقُدْرَةً لَا تَضُرُّ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ،
فَمَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ، وَلَمْ يُسَخَّرْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَوْنِيَّاتِ -: لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ فِي مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُ، فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الدِّينُ وَإِلَّا هَلَكَ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْخَارِقَ قَدْ يَكُونُ مَعَ الدِّينِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِهِ، أَوْ فَسَادِهِ، أَوْ نَقْصِهِ.
فَالْخَوَارِقُ النَّافِعَةُ تَابِعَةٌ لِلدِّينِ، خَادِمَةٌ لَهُ، كَمَا أَنَّ الرِّيَاسَةَ النَّافِعَةَ هِيَ [ التَّابِعَةُ](3) لِلدِّينِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ النَّافِعُ، كَمَا كَانَ السُّلْطَانُ وَالْمَالُ النَّافِعُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَمَنْ جَعَلَهَا هِيَ الْمَقْصُودَةَ، وَجَعَلَ الدِّينَ تَابِعًا لَهَا، وَوَسِيلَةً إِلَيْهَا، لَا لِأَجْلِ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ -: فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ يَأْكُلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَلَيْسَتْ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ تَدَيَّنَ خَوْفَ الْعَذَابِ، أَوْ رَجَاءَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَشَرِيعَةٍ صَحِيحَةٍ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَمَّهُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنَ النَّارِ أَوْ طَلَبًا لِلْجَنَّةِ - يَجْعَلُ هَمَّهُ بِدِينِهِ أَدْنَى خَارِقٍ مِنْ خَوَارِقِ الدُّنْيَا !!
ثُمَّ إِنَّ الدِّينَ إِذَا صَحَّ عِلْمًا وَعَمَلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجِبَ خَرْقَ الْعَادَةِ، إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ.
قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ

(4). وَقَالَ تَعَالَى:

إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا (5).

وَقَالَ تَعَالَى

وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا

وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا

وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (6).
وَقَالَ تَعَالَى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (7).
__________
(1) يس: 82
(2) الْأَنْعَامِ: 115
(3) في الأصل: (النافعة). ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ ومن الفتاوى 11 / 334. ن
(4) الطَّلَاقِ: 2 - 3
(5) الْأَنْفَالِ: 29
(6) النِّسَاءِ: 66 - 68
(7)
يُونُسَ: 62 - 64


 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
وَقَالَ تَعَالَى، فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ،
وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ،
وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا،
وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لِأُعِيذَنَّهُ،
وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ».
فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ حَظُّ الرَّبِّ، وَطَلَبَ الْكَرَامَةِ حَظُّ النَّفْسِ.

وَبِاللَّهِ

التَّوْفِيقُ.
ويقول ابن أبي العز في موضع آخر من الشرح
:

فَمَنِ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ الْبُلْهِ أَوِ الْمُولَعِينَ، مَعَ تَرْكِهِ لِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ - أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى مُتَّبِعِي طَرِيقَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ.

فَإِنَّ ذَاكَ الْأَبْلَهَ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْطَانًا زِنْدِيقًا، أَوْ زُوكَارِيًّا(1) مُتَحَيِّلًا،
أَوْ مَجْنُونًا مَعْذُورًا !
فَكَيْفَ يُفَضَّلُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، الْمُتَّبِعِينَ لِرَسُولِهِ ؟! أَوْ يُسَاوَى بِهِ ؟! وَلَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَّبِعًا فِي الْبَاطِنِ [وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لِلِاتِّبَاعِ فِي الظَّاهِرِ](2) ؟ فَإِنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا،

بَلِ الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: إِنَّ صَاحِبَنَا اللَّيْثَ كَانَ يَقُولُ:
إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
قَصَّرَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلْ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَاب(3(

وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " اطَّلَعْتُ عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْبُلْهَ "
فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ(4)،
فَإِنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا خُلِقَتْ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ أَرْشَدَتْهُمْ عُقُولُهُمْ وَأَلْبَابُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَوْصَافِهِمْ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوْصَافِهِمُ الْبَلَهَ، الَّذِي هُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ»(5). وَلَمْ يَقُلِ الْبُلْهَ !.

وَالطَّائِفَةُ الْمُلَامِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يُلَامُونَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَّبِعُونَ فِي الْبَاطِنِ، وَيَقْصِدُونَ إِخْفَاءَ الْمُرَاسِينَ(6) (7) !
رَدُّوا بَاطِلَهُمْ بِبَاطِلٍ آخَرَ !! وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يُصْعَقُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَنْغَامِ الْحَسَنَةِ، مُبْتَدِعُونَ ضَالُّونَ !
وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَا يَكُونُ سَبَبَ زَوَالِ عَقْلِهِ ! وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، بَلْ كَانُوا كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(8). وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(9(.
__________
(1) هذه لفظة مولدة. وفي شرح القاموس 3: 240 «الزواكرة: من يتلبس فيظهر النسك والعبادة، ويبطن الفسق والفساد. نقله المقري في نفح الطيب»
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من سائر النسخ. ن
(3) هكذا وردت القصة في الأصل. وانظر القصة في تفسير ابن كثير 1 / 80. ن
(4) ذكره العجلوني في كشف الخفا 2: 164، بلفظ: «أكثر أهل الجنة البله». ومجموع ما قيل فيه: أنه لا أصل له
(5) رواه أحمد والشيخان، من حديث ابن عباس - ورواه البخاري والترمذي، من حديث عمران بن حصين. وانظر كشف الخفا 2: 139
(6) في سائر النسخ: (المرائين). ن
(7) كذا في المطبوعة، فيحرر
(8) الْأَنْفَالِ: 2
(9) الزُّمَرِ: 23
وَمَا يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَنْغَامِ الْمُطْرِبَةِ، مِنَ الْهَذَيَانِ،
وَالتَّكَلُّمِ ببَعْضِ اللُّغَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلِسَانِ الْمَعْرُوفِ مِنْهُ !! فَذَلِكَ شَيْطَانٌ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، كَمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ !
وَكَيْفَ يَكُونُ زَوَالُ الْعَقْلِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ تَقَرُّبًا إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ، كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ؟ ! حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ:
هُمْ مَعْشَرٌ حَلُّوا النِّظَامَ وَخَرَّقُوا الـ... سِّيَاجَ فَلَا فَرْضٌ لَدَيْهِمْ وَلَا نَفْلُ
مَجَانِينُ، إِلَّا أَنَّ سِرَّ جُنُونِهِمْ... عَزِيزٌ عَلَى أَبْوَابِهِ يَسْجُدُ الْعَقْلُ
وَهَذَا كَلَامُ ضَالٍّ، بَلْ كَافِرٍ، يَظُنُّ أَنَّ [ فِي ] الْجُنُونِ سِرًّا يَسْجُدُ الْعَقْلُ عَلَى بَابِهِ !! لِمَا رَآهُ مِنْ بَعْضِ الْمَجَانِينِ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ، أَوْ تَصَرُّفٍ عَجِيبٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ [بِسَبَبِ](1) مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، كَمَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ


! فَيَظُنُّ هَذَا الضَّالُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ خُبِلَ(2) أَوْ خَرَقَ عَادَةً كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ !! وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ،

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}(3). فَكُلُّ مَنْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَذِبٌ وَفُجُورٌ.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِالرِّيَاضَاتِ وَالْخَلَوَاتِ، وَيَتْرُكُونَ الْجُمَعَ وَالْجَمَاعَاتِ، فَهُمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، قَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ.
كَمَا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ».
وَكُلُّ مَنْ عدَلَ عَنِ اتِّبَاعِ سُنَّةِ الرَّسُولِ، إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَالٌّ.
وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ لَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
__________
(1) في الأصل: (سبب) والتصويب من الفتاوى (10 / 445). ن
(2) الذي في الفتاوى: (كاشف). ن
(3) الشُّعَرَاءِ: 221 -
222
..
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
وَأَمَّا مَنْ يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي تَجْوِيزِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْوَحْيِ بِالْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ،
الَّذِي يَدَّعِيهِ بَعْضُ مَنْ عَدِمَ التَّوْفِيقَ -

فَهُوَ مُلْحِدٌ زِنْدِيقٌ.
فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَى الْخَضِرِ، وَلَمْ يَكُنِ الْخَضِرُ مَأْمُورًا بِمُتَابَعَتِهِ.
وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ،
وَلَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَكَانَا مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَإِذَا نَزَلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ، إِنَّمَا يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ،

فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْخَضِرِ مَعَ مُوسَى، أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ -: فَلْيُجَدِّدْ إِسْلَامَهُ، وَلْيَشْهَدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ مُفَارِقٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ،
فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ.

وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُفَرِّقٌ بَيْنَ زَنَادِقَةِ الْقَوْمِ وَأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ، وَحَرِّكْ تَرَكه
وَكَذَا مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ تَطُوفُ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ حَيْثُ كَانُوا !!
فَهَلَّا خَرَجَتِ الْكَعْبَةُ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فَطَافَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُحْصِرَ عَنْهَا، وَهُوَ يَوَدُّ مِنْهَا نَظْرَةً ؟!
وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ شَبَهٌ بِالَّذِينِ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: {
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً}(2)، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
__________
(2) الْمُدَّثِّرِ: 52

ابتلاءات الأولياء
...
كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي حِكَايَتِهِ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ قَالَ :
كُنْت مَرَّةً فِي الْعِبَادَةِ فَرَأَيْت عَرْشًا عَظِيمًا وَعَلَيْهِ نُورٌ

فَقَالَ لِي
يَا عَبْدَ الْقَادِرِ أَنَا رَبُّك وَقَدْ حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت عَلَى غَيْرِك .
قَالَ : فَقَلَتْ لَهُ : أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اخْسَأْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ .
قَالَ : فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ النُّورُ وَصَارَ ظُلْمَةً .

وَقَالَ
يَا عَبْدَ الْقَادِرِ نَجَوْت مِنِّي بِفِقْهِك فِي دِينِك وَعِلْمِك وَبِمُنَازَلَاتِك
فِي أَحْوَالِك ،
لَقَدْ فَتَنْت بِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَبْعِينَ رَجُلًا .

فَقِيلَ لَهُ
كَيْفَ عَلِمْت أَنَّهُ الشَّيْطَانُ ؟
قَالَ بِقَوْلِهِ لِي
" حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت عَلَى غَيْرِك "،
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْسَخُ وَلَا تُبَدَّلُ ،
وَلِأَنَّهُ قَالَ أَنَا رَبُّك وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ أَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا أَنَا .

( من مجموع الفتاوى لابن تيمية )

تم تحريرا الموضوع
فى
18 : 4 : 2011
 
أعلى أسفل
}