تأملات في الكتاب المسطور و المنظور

م/محسن

عضو برونزي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
208
مستوى التفاعل
48

اللمحة الثامنة : التحريم التشريعي المسطور والتحريم القهري المنظور .


(ا) المنع والحظر القهري
من أمثلته :
قوله تعالى ( حرمنا عليه المراضع ) أي موسى عليه السلام وهو طفل رضيع .
قال الله ( وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ‌ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ ) القصص 12

قول الله تعالى (وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ‌ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ) أي : ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهن من قبل أمه . قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضع فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع.
وكذلك قوله تعالى ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡ ‌أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ) المائدة
هذا في المنع القهري المنظور ،

قال الرازي : قوله (فإنها محرمة عليهم) الأكثرون على أنه تحريم منع لا تحريم تعبد.


(ب) وأما في المنع التشريعي المسطور :

قول الله تعالى ( وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا ‌كُلَّ ‌ذِي ظُفُرٖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ )
وقوله ( قُلۡ ‌تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَادَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ) المائدة 151

ويستفاد من تحريم الله المرئي ، اسم الله تعالى (القهار) ،
وكذلك اسم الله ( الرحمن ) و(الوكيل ) حين منع أن يكون للشيطان سلطانا على عباد الله إلا الذين تولوه منهم قال تعالى ( إِنَّ عِبَادِي ‌لَيۡسَ ‌لَكَ ‌عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَانٞ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا ) الاسراء 65

أما التحريم الشرعي فهو للتكليف والاختبار ، وأنه تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها ولو شاء لأعنت الناس كما فعل ببني اسرائيل حين حرم عليهم شحوم البقر والغنم لكنه تعالى بالناس رؤوف رحيم .
 

م/محسن

عضو برونزي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
208
مستوى التفاعل
48

اللمحة التاسعة : الهداية المنظورة والهداية المسطورة


الهداية المسطورة معلومة ، وحديثنا على الهداية المنظورة :

الله الهادي وهو الذي ينشأ الهدى ويبينها " قل إن هدى الله هو الهدى " ،
وقد كتبها على نفسه تعالى " إِنَّ عَلَيۡنَا ‌لَلۡهُدَىٰ " ،
وهو الذي يدعو اليها ،
وهو الذي ييسر لها ، وهو الذي يعين عليها ، وهو الذي يثبت عليها ويزيد منها ،
حقا هو الهادي .

الهداية المنظورة :


في جواب موسى على فرعون حينما سأله عن ربه قال : فمن ربكما يا موسى ؟
قال ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه:50]
أي ربنا الذي أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته أي أكمل ذلك له وأتقنه ثُمَّ هَدى أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه .

للإمام فخر الدين الرازي رحمه الله كلام نفيس قال :
وهذه الدلالة هي التي ذكرها الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله:
(سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) سورة الأعلى ،
وكقول ابراهيم عليه السلام : " فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين " ،
وإن موسى عليه السلام في أكثر الأمور يعول على دلائل إبراهيم عليه السلام ..
واعلم أنه يشبه أن يكون الخلق عبارة عن تركيب القوالب والأبدان ، والهداية عبارة عن إبداع القوى المدركة والمحركة في تلك الأجسام ،
وعلى هذا التقدير يكون الخلق مقدما على الهداية ولذلك قال: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي [الحجر: 29] فالتسوية راجعة إلى القالب ونفخ الروح إشارة إلى إبداع القوى وقال: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [المؤمنون: 12] ،
إلى أن قال: ثم أنشأناه خلقا آخر [المؤمنون: 14] فظهر أن الخلق مقدم على الهداية ،

والشروع في بيان عجائب حكمة الله تعالى في الخلق والهداية شروع في بحر لا ساحل له ،
ولنذكر منه أمثلة قريبة إلى الأفهام. أحدها: أن الطبيعي يقول: الثقيل هابط والخفيف صاعد وأشد الأشياء ثقلا الأرض ثم الماء وأشدها خفة النار ثم الهواء فلذلك وجب أن تكون النار أعلى العنصريات والأرض أسفلها، ثم إنه سبحانه قلب هذا الترتيب في خلقة الإنسان فجعل أعلى الأشياء منه العظم والشعر وهما أيبس ما في البدن وهما بمنزلة الأرض ثم جعل تحته الدماغ الذي هو بمنزلة الماء وجعل تحته النفس الذي هو بمنزلة الهواء وجعل تحته الحرارة الغريزية التي في القلب التي هي بمنزلة النار فجعل مكان الأرض من البدن الأعلى وجعل مكان النار من البدن الأسفل ليعرف أن ذلك بتدبير القادر الحكيم الرحيم لا باقتضاء العلّة والطبيعة.

وثانيها : أنك إذا نظرت إلى عجائب النحل في تركيب البيوت المسدسة وعجائب أحوال البقّ والبعوض في اهتدائها إلى مصالح أنفسها لعرفت أن ذلك لا يمكن إلا بإلهام مدبر عالم بجميع المعلومات.

قلت قوله تعالى " وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ‌ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰاتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗا )
وثالثها: أنه تعالى هو الذي أنعم على الخلائق بما به قوامهم من المطعوم والمشروب والملبوس والمنكوح ثم هداهم إلى كيفية الانتفاع بها ويستخرجون الحديد من الجبال واللآلئ من البحار ويركبون الأدوية والدرياقات النافعة ويجمعون بين الأشياء المختلفة فيستخرجون لذات الأطعمة ،
فثبت أنه سبحانه هو الذي خلق كل الأشياء ثم أعطاهم العقول التي بها يتوصلون إلى كيفية الانتفاع بها،
وهذا غير مختص بالإنسان بل عام في جميع الحيوانات فأعطى الإنسان إنسانة والحمار حمارة والبعير ناقة ثم هداه لها ليدوم التناسل وهدى الأولاد لثدي الأمهات،
بل هذا غير مختص بالحيوانات بل هو حاصل في أعضائها فإنه خلق اليد على تركيب خاص وأودع فيها قوة الأخذ وخلق الرجل على تركيب خاص وأودع فيها قوة المشي وكذا العين والأذن وجميع الأعضاء ثم ربط البعض بالبعض على وجوه يحصل من ارتباطها مجموع واحد، وهو الإنسان.
وإنما دلت هذه الأشياء على وجود الصانع سبحانه لأن اتصاف كل جسم من هذه الأجسام بتلك الصفة أعني التركيب والقوة والهداية، إما أن يكون واجبا أو جائزا ،
والأول باطل لأنا نشاهد تلك الأجسام بعد الموت منفكة عن تلك التراكيب والقوى فدل على أن ذلك جائز،
والجائز لا بد له من مرجح وليس ذلك المرجح هو الإنسان ولا أبواه لأن فِعْل ذلك يستدعي قدرة عليه وعلما بما فيه من المصالح والمفاسد، والأمران نائيان عن الإنسان لأنه بعد كمال عقله يعجز عن تغيير شعرة واحدة،
وبعد البحث الشديد عن كتب التشريح لا يعرف من منافع الأعضاء ومصالحها إلا القدر القليل فلا بد أن يكون المتولي لتدبيرها وترتيبها موجودا آخر ،
وذلك الموجود لا يجوز أن يكون جسما لأن الأجسام متساوية في الجسمية فاختصاص ذلك الجسم بتلك المؤثرية لا بد وأن يكون جائزا ، وإن كان جائزا افتقر إلى سبب آخر، والدور والتسلسل محالان، فلا بد من الانتهاء في سلسلة الحاجة إلى موجود مؤثر ومدبر ليس بجسم ولا جسماني،
ثم تأثير ذلك المؤثر إما أن يكون بالذات أو بالاختيار، والأول محال لأن الموجب لا يميز مثلا عن مثل وهذه الأجسام متساوية في الجسمية فلم اختص بعضها بالصورة الفلكية وبعضها بالصورة العنصرية وبعضها بالنباتية وبعضها بالحيوانية؟

فثبت أن المؤثر والمدبر قادر، والقادر لا يمكنه مثل هذه الأفعال العجيبة إلا إذا كان عالما،
ثم إن هذا المدبر الذي ليس بجسم ولا جسماني لا بد وأن يكون واجب الوجود في ذاته وفي صفاته، وإلا لافتقر إلى مدبر آخر ويلزم التسلسل وهو محال،
وإذا كان واجب الوجود في قادريته وعالميته والواجب لذاته لا يتخصص ببعض الممكنات دون البعض وجب أن يكون عالما بكل ما صح أن يكون معلوما وقادرا على كل ما صح أن يكون مقدورا،
فظهر بهذه الدلالة التي تمسك بها موسى عليه السلام ونبه على تقريرها استناد العالم إلى مدبر ليس بجسم ولا جسماني وهو واجب الوجود في ذاته وفي صفاته عالم بكل المعلومات قادر على كل المقدورات وذلك هو الله سبحانه وتعالى .

قلت تعقيبا :
انظر الى كيف تلد الحيوانات البرية كالزرافة مثلا والمتوحشة مثل الفيلة بدون قابلة أو طبيب ،
وكيف تقوم أنثى الفيل بضرب المولود كي تساعده على التنفس فور نزوله ،
وكيف صار المولود يتنفس الأكسجين برئته التي كانت مهيئة ومعدة من قبل للعمل مع الهواء الخارجي بعد ما كان يصله الأوكسجين بواسطة الحبل السري داخل رحم أمه ،
ثم كيف يقوم وليدها وينهض ويقوم على أرجله فور ولادته بدون سند ولا معلم ولا موجه ولا مرشد ، كما ستشاهدون في هذا الفيديو وقل : " سبحان ربي الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى "
 
أعلى أسفل