حواضن النبي ومراضعه عليه الصلاة والسلام :
كانت
أم أيمن واسمها بركة تحضنه، وكان قد ورثها عليه الصلاة والسلام من أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة ، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنهم.
وأرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام مولاة عمه أبي لهب، ثويبة قبل ، حليمة السعدية.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان.
قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان - ولمسلم عزة بنت أبي سفيان -.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو تحبين ذلك؟ "
قلت نعم! لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن ذلك لا يحل لي "
قالت فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة - وفي رواية درة بنت أبي سلمة قال: " بنت أم سلمة؟ " قلت نعم قال: " إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي.إنها لابنة أخي من الرضاعة.أرضعتني وأبا سلمة ثويبة.فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن "
زاد البخاري قال عروة. وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة .
فقال له ماذا لقيت؟ فقال أبو لهب لم ألق بعدكم خيرا غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة - وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع -.
وذكر السهيلي وغيره: إن الرائي له هو أخوه العباس.
وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر.
وفيه أن أبا لهب قال للعباس إنه ليخفف علي في مثل يوم الاثنين.
قالوا لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وما ظهر عليه من البركة وآيات النبوة
قال محمد بن إسحاق: فاسترضع له عليه الصلاة والسلام من
حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر،
قال واسم أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعه - يعني زوج حليمة ،
الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن .
وإخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من
الرضاعة - عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي
الشيماء وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذا كان عندهم.
قال ابن إسحاق: حدثني جهم بن أبي جهم مولى [لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث ابن حاطب، ويقال له مولى الحارث بن حاطب .
قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثت عن حليمة بنت الحارث أنها قالت! قدمت مكة في نسوة وذكر الواقدي بإسناده أنهن كن عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء من بني سعد نلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة.
وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه.ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا. فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل إنه يتيم، تركناه.
قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا، فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري.
فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع.
لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
فقال لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة.
فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن.
فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي.
وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا. فبتنا بخير ليلة.
فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة.
ألم تر ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه.
فلم يزل الله عزوجل يزيدنا خيرا.
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتأتي بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فقلن والله إن لها لشأنا.
حتى قدمنا أرض بني سعد. وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فتحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لين وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعائهم - أو لرعيانهم - ويحكم انظروا
حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم.
فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.
فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان.
فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أضن شئ به مما رأينا فيه من البركة.
فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة.
فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم.
فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة .
فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد، فقال ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه.
فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده فائما منتقعا لونه.
فاعتنقه أبوه وقال يا بني ما شأنك؟
قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني وشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا.
فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف.
قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به.
فقدمنا به عليها فقالت ما ردكما به ياظئر؟ فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا لا والله إلا أن الله قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، وقلنا نخشى الإتلاف والأحداث نرده إلى أهله.
فقالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل.
والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره؟ قلنا بلى! قالت حملت به فما حملت حملا قط أخف [علي] منه فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما.
وهذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي .
وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت البهم تقيل فوجدته مع أخته فقالت في هذا الحر؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا.
رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع.
وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك.
قال: " نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى [أخي] عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا [مع أخ لي] في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجاني فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها.
ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة فوزنتهم.
ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم، فقال دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم " وهذا إسناد جيد قوي .
ثم قال: وحدثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن نفير حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد الله أنه حدثه :
أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: " كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت يا أخي اذهب فائتنا بزاد من عند أمنا فانطلق أخي ومكث عند البهم فأقبل [إلي] طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ فقال نعم! فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه.
فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه ائتني بماء ثلج فغسلا به جوفي ثم قال ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة فذرها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه خطه فخاطه وختم على قلبي بخاتم النبوة، فقال أحدهما لصاحبه اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم.
فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد لبس بي فقالت أعيذك بالله.
فرحلت بعيرا لها، وحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي، فقالت أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها.
وقالت " إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام " ورواه أحمد من حديث بقية بن الوليد به.
وهكذا رواه عبد الله بن المبارك وغيره عن بقية بن الوليد به.
وقد رواه ابن عساكر من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي أخبرني عمير بن عمر بن عروة بن الزبير.
قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله: كيف علمت أنك نبي حين
علمت ذلك واستيقنت أنك نبي؟ قال: " يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة وقع أحدهما على الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال هو هو.
قال زنه برجل فوزنني برجل فرجحته " وذكر تمامه، وذكر شق صدره وخياطته وجعل الخاتم بين كتفيه قال: " فما هو إلا أن وليا عني فكأنما أعاين الأمر معاينة " ثم أورد ابن عساكر عن أبي بن كعب بنحو ذلك.
ومن حديث شداد بن أوس بأبسط من ذلك.
وثبت في صحيح مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة سوداء فقال هذا حظ الشيطان [منك] ، ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
وقد رواه ابن عساكر من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد عن ثابت البناني عن أنس أن الصلاة فرضت بالمدينة، وأن ملكين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبا به إلى زمزم فشقا بطنه فأخرجا حشوته في طشت من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم لبسا جوفه حكمة وعلما.
ومن طريق ابن وهب أيضا عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عبد الرحمن بن عامر بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال قال خذوا خيرهم وسيدهم، فأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمد به إلى زمزم فشق جوفه ثم أتي بتور من ذهب فغسل جوفه ثم ملئ حكمة وإيمانا.
وثبت من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
وفي الصحيحين من طريق شريك [بن عبد الله] بن أبي نمر عن أنس وعن الزهري عن أنس عن أبي ذر وقتادة عن أنس وعن مالك بن صعصعة :
عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء كما سيأتي
قصة شرح الصدر ليلتئذ وأنه غسل بماء زمزم، ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين مرة وهو صغير ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى ولمناجاة الرب عزوجل والمثول بين يديه تبارك وتعالى .
وقال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: " أنا أعربكم، أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر "
وذكر ابن إسحاق: أن حليمة لما أرجعته إلى أمه بعد فطامه مرت به على ركب من النصارى فقاموا إليه عليه الصلاة والسلام فقبلوه وقالوا إنا سنذهب بهذا الغلام إلى ملكنا فإنه كائن له شأن فلم تكد تنفلت منهم إلا بعد جهد.
وذكر أنها لما ردته حين تخوفت عليه أن يكون أصابه عارض، فلما قربت من مكة افتقدته فلم تجده فجاءت جده عبد المطلب فخرج هو وجماعة في طلبه، فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش فأتيا به جده، فأخذه على عاتقه وذهب فطاف به يعوذه ويدعو له ثم رده إلى أمه آمنة.
والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير ثم عادت على هوازن بكمالهم فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك بعد فتح مكة بشهر.
فمتوا إليه برضاعه فأعتقهم وتحنن عليهم وأحسن إليهم كما سيأتي مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن إسحاق: في وقعة هوازن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عبد الله بن عمرو] .
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك.
وقال خطيبهم زهير بن صرد فقال: يارسول الله إن ما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين.
ثم أنشد :
امنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملاه من محضها درر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت *
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر وقد رويت هذه القصة من طريق عبيد الله بن رماحس الكلبي الرملي عن زياد بن طارق الجشمي عن أبي صرد زهير بن جرول - وكان رئيس قومه - قال:
لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فبينا هو يميز بين الرجال والنساء وثبت حتى قعدت بين يديه وأسمعته شعرا، أذكره حين شب ونشأ في هوازن حيث أرضعوه: امنن علينا رسول الله في دعة * فإنك المرء نرجوه وننتظر امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الحرب هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملاه من محضها الدرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه * هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاغفر عفا الله عما أنت راهبه * يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم " فقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاما وأناسي كثيرا.
حتى قال أبو الحسين بن فارس فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ خمسمائة ألف ألف درهم.
فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة.