‌‌صفة مولد النبي الشريف عليه الصلاة والسلام

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
420
مستوى التفاعل
79
المولد.jpg

للحافظ ابن كثير في البداية ( قلت وفيه تصرف مني اختصارا وتركا لما فيه نظر) ، قال :

قد تقدم أن عبد المطلب لما ذبح تلك الإبل المائة عن ولده عبد الله حين كان نذر ذبحه فسلّمه الله تعالى لما كان قدر في الأزل من ظهور النبي الأمي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وسيد ولد آدم من صلبه ،
فذهب كما تقدم فزوجه أشرف عقيلة في قريش آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهرية، فحين دخل بها وأفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وقد كانت أم قتال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل توسمت ما كان بين عيني عبد الله قبل أن يجامع آمنة من النور، فودت أن يكون ذلك متصلا بها لما كانت تسمع من أخيها من البشارات بوجود محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أزف زمانه فعرضت نفسها عليه،.

قال بعضهم ليتزوجها وهو أظهر والله أعلم، فامتنع عليها فلما انتقل ذلك النور الباهر إلى آمنة بمواقعته إياها كأنه تندم على ما كانت عرضت عليه. ، فتعرض لها لتعاوده.، فقالت لا حاجة لي فيك وتأسفت على ما فاتها من ذلك وأنشدت في ذلك ما قدمناه من الشعر الفصيح البليغ.،

وهذه الصيانة لعبد الله ليست له وإنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) وقد تقدم الحديث المروي من طريق جيد أنه قال عليه الصلاة والسلام :
" ولدت من نكاح لا من سفاح ".

والمقصود أن أمه حين حملت به توفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه على المشهور.

قال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر - هو الواقدي - حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي ، وحدثنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، قال :
خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزّة في عير من عيران قريش يحملونه تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن ابنه عبد الله فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض.

فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث.،فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجداً شديدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل.

ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة قال الواقدي: هذا هو أثبت الأقاويل في وفاة عبد الله وسنه عندنا.

قال الواقدي: وحدثني معمر عن الزهري أن عبد المطلب بعث عبد الله إلى المدينة يمتار لهم تمراً فمات.

قال محمد بن سعد وقد أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن عوانة بن الحكم.قالا:
توفي عبد الله بن عبد المطلب بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرين شهرا، وقيل سبعة أشهر.

وقال محمد بن سعد: والأول أثبت أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن عن عبد السلام عن ابن خربوذ.قال :
توفي عبد الله بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين، ومات جده وهو ابن ثمان سنين، فأوصى به إلى عمه أبي طالب.

والذي رجحه الواقدي وكاتبه الحافظ محمد بن سعد أنه عليه الصلاة والسلام توفي أبوه وهو جنين في بطن أمه وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه.

وقد تقدم في الحديث " ورؤيا أمي الذي رأت حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " ،

وحدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر بنت المسود عن أبيها.
وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم المزني وزياد بن حشرج عن أبي وجزة.
وحدثنا معمر عن أبي نجيح عن مجاهد.
وحدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس: دخل حديث بعضهم في حديث بعض.
أن آمنة بنت وهب قالت لقد علقت به - تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق إلى المغرب، ثم وقع إلى الأرض معتمدا على يديه، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء.

وقال بعضهم وقع جاثيا على ركبتيه، وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، رافعا رأسه إلى السماء.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا محمد بن إسماعيل [قال] أنبأنا محمد بن إسحاق حدثنا يونس بن مبشر بن الحسن [قال] حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، [قال] حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص، [قال] :
حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت فما شيء أنظره في البيت إلا نور، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعن علي.

وذكر القاضي عياض عن الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف أنها كانت قابلته وأنها أخبرت به حين سقط على يديها واستهل سمعت قائلا يقول يرحمك الله، وإنه سطع منه نور رئيت منه قصور الروم.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني محمد بن كامل القاضي - شفاها - أن محمد بن إسماعيل حدثه - يعني السلمي - حدثنا أبو صالح: عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح، عن أبي الحكم التنوخي، قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح يكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ووجدنه مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء.
فأتاهن عبد المطلب، فقلن له: ما رأينا مولودا مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحا عينيه شاخصا ببصره إلى السماء.
فقال: احفظنه فإني أرجو أن يكون له شأن، أو أن يصيب خيرا، فلما كان اليوم السابع ذبح عنه، ودعا له قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه، ما سميته؟ قال سميته محمدا، قالوا فما رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال أردت أن يحمده الله [تعالى] في السماء وخلقه في الأرض قال أهل اللغة: كل جامع لصفات الخير يسمى محمدا كما قال بعضهم:
إليك - أبيت اللعن - أعملت ناقتي * إلى الماجد القرم الكريم المحمد،
وقال بعض العلماء: ألهمهم الله عز وجل أن سموه محمدا لما فيه من الصفات الحميدة ليلتقي الاسم والفعل، ويتطابق الاسم والمسمى في الصورة والمعنى ..
(يتبع)
 
  • Like
التفاعلات: yasma

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
420
مستوى التفاعل
79

‌‌فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام :


قد ذكرنا في باب هواتف الجان ما تقدم من خرور كثير من الأصنام ليلتئذ لوجوهها وسقوطها عن أماكنها، وما رآه النجاشي ملك الحبشة، وظهور النور معه حتى أضاءت له قصور الشام حين ولد، وما كان من سقوطه جاثيا رافعا رأسه إلى السماء، وانفلاق تلك البرمة عن وجهه الكريم، وما شوهد من النور في المنزل الذي ولد فيه ودنو النجوم منهم وغير ذلك.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت.
قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين - أو ثمان سنين - أعقل ما رأيت وسمعت إذا بيهودي في يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا ويلك مالك؟ قال قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة.

وروى الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من حديث أبي بكر بن عبد الله العامري عن سليمان بن سحيم وذريح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم.
فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي - كالمستهزئ به ما صفته؟ فقال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار.سيفه على عاتقه وهذا البلد مهاجره.
قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع فأسمع رجلان منا يقول ويوشع يقول هذا وحده! ؟ كل يهود يثرب يقولون هذا.
قال أبي مالك بن سنان فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم.فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي أو ظهوره ولم يبق أحد إلا أجمد وهذا مهاجره.
قال أبو سعيد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أبي هذا الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أسلم الزبير لأسلم ذووه من رؤساء اليهود إنما هم له تبع "

وقال أبو نعيم: حدثنا عمر بن محمد حدثنا إبراهيم بن السندي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا إسماعيل بن قيس بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أم سعد بنت سعد بن الربيع سمعت زيد بن ثابت يقول:
كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا أنه نبي وأنه لا نبي بعده.واسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنكروا وحسدوا وكفروا.

وقد أورد هذه القصة الحافظ أبو نعيم في كتابه من طرق أخرى ولله الحمد.

وقال أبو نعيم ومحمد بن حبان: حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد، قال قال زيد بن عمرو بن نفيل قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي - أو هو خارج - قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه.
(يتبع)
 
  • Like
التفاعلات: yasma

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
1,404
مستوى التفاعل
81
اللهم صلى وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
كل عام وانتم بخير 🩷
 
  • Like
التفاعلات: Admin

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
420
مستوى التفاعل
79

‌‌ذكر ارتجاس إيوان كسرى وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات :


قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب " هواتف الجان " :
حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران - من آل جرير بن عبد الله البجلي - حدثني مخزوم بن هاني المخزومي عن أبيه - وأتت عليه خمسون ومائة سنة – قال :
لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم،
فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره.
ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده.
قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟
قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك ذلك ،
فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غماً إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله،
فقال الموبذان وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الابل،
فقال أي شئ يكون هذا يا موبذان؟
قال حدث يكون في ناحية العرب - وكان أعلمهم من أنفسهم - فكتب عند ذلك :
من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر ; أما بعد فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه،
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني،
فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟
فقال : لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم.
فأخبره بالذي وجه به إليه فيه.
قال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح،
قال فائته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره.

فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح.
فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيخ جوابا فأنشأ يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاد فار لم به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن * أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن * أزرق نهم الناب صرار الأذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن * رسول قيل العجم يسري للوسن
يجوب بي الأرض علنداة شزن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
ترفعني وجنا وتهوي بي وجن * حتى أتى عاري الجآجي والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن * كأنما حثحث من حضني ثكن

قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول :
عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها،
يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما.
يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت.
ثم قصى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضي العزم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة * يخاف صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وشابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور
ورب قوم لهم صحبان ذي أذن * بدت تلهيهم فيه المزامير
وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور .

قال فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى : إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور،
فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.

ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس عن علي بن حرب الموصلي بنحوه.

قلت: كان آخر ملوكهم - الذي سلب منه الملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وهو الذي انشق الإيوان في زمانه.
وكان لأسلافه في الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعة وستون سنة.
وكان أول ملوكهم خيومرت بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه هو الربيع ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الأزد.
ويقال الربيع بن مسعود وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجوري وذكر غير ذلك في نسبه.
قال وكان يسكن الجابية ثم روى عن أبي حاتم السجستاني قال سمعت المشيخة منهم أبو عبيدة وغيره قالوا وكان من بعد لقمان بن عاد.
ولد في زمن سيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحو من ثلاثين قرنا وكان مسكنه البحرين وزعمت عبد القيس أنه منهم وتزعم الأزد أنه منهم وأكثر المحدثين يقولون هو من الأزد ولا ندري ممن هو غير أن ولده يقولون إنه من الأزد.

وروي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن شئ من بني آدم يشبه سطيحا إنما كان لحما على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعينيه وكفيه وكان يطوى كما يطوى الثوب من رجليه إلى عنقه.
ولم يكن فيه شئ يتحرك إلا لسانه.
وقال غيره إنه كان إذا غضب انتفخ وجلس.
ثم ذكر ابن عباس أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس وعبد مناف أبناء قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق، فسألوه عما يكون في آخر الزمان.
فقال خذوا مني ومن إلهام الله إياي: أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصنم، ويتبعون الردم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم.
ثم قال والباقي الأبد، والبالغ الأمد ليخرجن من ذا البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض بغوث والفند، يبرأ عن عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه الله بخير دار محمودا، من الأرض مفقودا، وفي السماء مشهودا، ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف.
ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس.
وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس بطوله.

وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف بن ذي يزن
فقال له: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال بل ينقطع.
قال ومن يقطعه؟
قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون.
قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم والشفق والغسق والقمر إذا اتسق إن ما أنبأتك عليه لحق.
ووافقه على ذلك شق سوآ بسواء بعبارة أخرى كما تقدم.

ومن شعر سطيح قوله: عليكم بتقوى الله في السر والجهر * ولا تلبسوا صدق الأمانة بالغدر وكونوا لجار الجنب حصنا وجنة * إذا ماعرته النائبات من الدهر وروى ذلك الحافظ ابن عساكر ثم أورد ذلك المعافى بن زكريا الجريري فقال: وأخبار سطيح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم.

والمشهور أنه كان كاهنا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه.

وقد روى ابن عساكر أن ملكا سأل سطيحا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على الجلية في كلام طويل مليح فصيح.
فقال له الملك ياسطيح ألا تخبرني عن علمك هذا؟ فقال إن علمي هذا ليس مني ولا بجزم ولا بظن ولكن أخذته عن أخ لي قد سمع الوحي بطور سيناء.
فقال له أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك، فقال إنه ليزول حيث أزول، ولا أنطق إلا بما يقول.

وتقدم أنه ولد هو وشق بن مصعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن عقبة الكاهن الآخر ولدا في يوم واحد، فحملا إلى الكاهنة طريفة بنت الحسين الحميدية فتفلت في أفواههما فورثا منها الكهانة وماتت من يومها.
وكان نصف إنسان ويقال إن خالد بن عبد الله القسري من سلالته، وقد مات شق قبل سطيح بدهر.

وأما عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن نفيلة الغساني النصراني فكان من المعمرين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخ وقال هو الذي صالح خالد بن الوليد على.
وذكر له معه قصة طويلة وأنه أكل من يده سم ساعة فلم يصبه سوء لأنه لما أخذه قال: بسم الله وبالله رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه أذى.
ثم أكله فعلته غشية فضرب بيديه على صدره ثم عرق وأفاق رضي الله عنه وذكر لعبد المسيح أشعارا غير ما تقدم.

(يتبع )
 

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
420
مستوى التفاعل
79

حواضن النبي ومراضعه عليه الصلاة والسلام :


كانت أم أيمن واسمها بركة تحضنه، وكان قد ورثها عليه الصلاة والسلام من أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة ، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنهم.
وأرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام مولاة عمه أبي لهب، ثويبة قبل ، حليمة السعدية.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان.
قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان - ولمسلم عزة بنت أبي سفيان -.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو تحبين ذلك؟ "
قلت نعم! لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن ذلك لا يحل لي "
قالت فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة - وفي رواية درة بنت أبي سلمة قال: " بنت أم سلمة؟ " قلت نعم قال: " إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي.إنها لابنة أخي من الرضاعة.أرضعتني وأبا سلمة ثويبة.فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن "

زاد البخاري قال عروة. وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة .
فقال له ماذا لقيت؟ فقال أبو لهب لم ألق بعدكم خيرا غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة - وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع -.
وذكر السهيلي وغيره: إن الرائي له هو أخوه العباس.
وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر.
وفيه أن أبا لهب قال للعباس إنه ليخفف علي في مثل يوم الاثنين.
قالوا لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وما ظهر عليه من البركة وآيات النبوة

قال محمد بن إسحاق: فاسترضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر،
قال واسم أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعه - يعني زوج حليمة ، الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن .

وإخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة - عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذا كان عندهم.

قال ابن إسحاق: حدثني جهم بن أبي جهم مولى [لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث ابن حاطب، ويقال له مولى الحارث بن حاطب .
قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثت عن حليمة بنت الحارث أنها قالت! قدمت مكة في نسوة وذكر الواقدي بإسناده أنهن كن عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء من بني سعد نلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة.
وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه.ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا. فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل إنه يتيم، تركناه.
قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا، فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري.
فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع.
لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
فقال لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة.
فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن.
فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي.
وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا. فبتنا بخير ليلة.
فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة.
ألم تر ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه.
فلم يزل الله عزوجل يزيدنا خيرا.
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتأتي بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فقلن والله إن لها لشأنا.
حتى قدمنا أرض بني سعد. وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فتحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لين وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعائهم - أو لرعيانهم - ويحكم انظروا
حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم.
فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.
فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان.
فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أضن شئ به مما رأينا فيه من البركة.
فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة.
فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم.
فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة .
فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد، فقال ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه.
فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده فائما منتقعا لونه.
فاعتنقه أبوه وقال يا بني ما شأنك؟
قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني وشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا.
فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف.
قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به.
فقدمنا به عليها فقالت ما ردكما به ياظئر؟ فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا لا والله إلا أن الله قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، وقلنا نخشى الإتلاف والأحداث نرده إلى أهله.
فقالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل.
والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره؟ قلنا بلى! قالت حملت به فما حملت حملا قط أخف [علي] منه فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما.

وهذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي .

وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت البهم تقيل فوجدته مع أخته فقالت في هذا الحر؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا.
رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع.

وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك.
قال: " نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى [أخي] عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا [مع أخ لي] في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجاني فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها.
ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة فوزنتهم.
ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم، فقال دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم " وهذا إسناد جيد قوي .

ثم قال: وحدثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن نفير حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد الله أنه حدثه :
أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: " كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت يا أخي اذهب فائتنا بزاد من عند أمنا فانطلق أخي ومكث عند البهم فأقبل [إلي] طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ فقال نعم! فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه.
فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه ائتني بماء ثلج فغسلا به جوفي ثم قال ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة فذرها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه خطه فخاطه وختم على قلبي بخاتم النبوة، فقال أحدهما لصاحبه اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم.
فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد لبس بي فقالت أعيذك بالله.
فرحلت بعيرا لها، وحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي، فقالت أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها.
وقالت " إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام " ورواه أحمد من حديث بقية بن الوليد به.

وهكذا رواه عبد الله بن المبارك وغيره عن بقية بن الوليد به.
وقد رواه ابن عساكر من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي أخبرني عمير بن عمر بن عروة بن الزبير.
قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله: كيف علمت أنك نبي حين
علمت ذلك واستيقنت أنك نبي؟ قال: " يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة وقع أحدهما على الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال هو هو.

قال زنه برجل فوزنني برجل فرجحته " وذكر تمامه، وذكر شق صدره وخياطته وجعل الخاتم بين كتفيه قال: " فما هو إلا أن وليا عني فكأنما أعاين الأمر معاينة " ثم أورد ابن عساكر عن أبي بن كعب بنحو ذلك.
ومن حديث شداد بن أوس بأبسط من ذلك.

وثبت في صحيح مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة سوداء فقال هذا حظ الشيطان [منك] ، ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.

وقد رواه ابن عساكر من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد عن ثابت البناني عن أنس أن الصلاة فرضت بالمدينة، وأن ملكين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبا به إلى زمزم فشقا بطنه فأخرجا حشوته في طشت من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم لبسا جوفه حكمة وعلما.

ومن طريق ابن وهب أيضا عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عبد الرحمن بن عامر بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال قال خذوا خيرهم وسيدهم، فأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمد به إلى زمزم فشق جوفه ثم أتي بتور من ذهب فغسل جوفه ثم ملئ حكمة وإيمانا.

وثبت من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.

وفي الصحيحين من طريق شريك [بن عبد الله] بن أبي نمر عن أنس وعن الزهري عن أنس عن أبي ذر وقتادة عن أنس وعن مالك بن صعصعة :
عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء كما سيأتي قصة شرح الصدر ليلتئذ وأنه غسل بماء زمزم، ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين مرة وهو صغير ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى ولمناجاة الرب عزوجل والمثول بين يديه تبارك وتعالى .

وقال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: " أنا أعربكم، أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر "
وذكر ابن إسحاق: أن حليمة لما أرجعته إلى أمه بعد فطامه مرت به على ركب من النصارى فقاموا إليه عليه الصلاة والسلام فقبلوه وقالوا إنا سنذهب بهذا الغلام إلى ملكنا فإنه كائن له شأن فلم تكد تنفلت منهم إلا بعد جهد.

وذكر أنها لما ردته حين تخوفت عليه أن يكون أصابه عارض، فلما قربت من مكة افتقدته فلم تجده فجاءت جده عبد المطلب فخرج هو وجماعة في طلبه، فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش فأتيا به جده، فأخذه على عاتقه وذهب فطاف به يعوذه ويدعو له ثم رده إلى أمه آمنة.

والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير ثم عادت على هوازن بكمالهم فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك بعد فتح مكة بشهر.
فمتوا إليه برضاعه فأعتقهم وتحنن عليهم وأحسن إليهم كما سيأتي مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى.

قال محمد بن إسحاق: في وقعة هوازن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عبد الله بن عمرو] .
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك.
وقال خطيبهم زهير بن صرد فقال: يارسول الله إن ما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين.
ثم أنشد :
امنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملاه من محضها درر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت *

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر وقد رويت هذه القصة من طريق عبيد الله بن رماحس الكلبي الرملي عن زياد بن طارق الجشمي عن أبي صرد زهير بن جرول - وكان رئيس قومه - قال:
لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فبينا هو يميز بين الرجال والنساء وثبت حتى قعدت بين يديه وأسمعته شعرا، أذكره حين شب ونشأ في هوازن حيث أرضعوه: امنن علينا رسول الله في دعة * فإنك المرء نرجوه وننتظر امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الحرب هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملاه من محضها الدرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه * هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاغفر عفا الله عما أنت راهبه * يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم " فقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاما وأناسي كثيرا.
حتى قال أبو الحسين بن فارس فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ خمسمائة ألف ألف درهم.

فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة.
 
أعلى أسفل