تفسير سورة البقرة

جزاك الله صحبه النبيين والمرسلين اللهم آمين
 

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)


- واذكروا أيضا إذ قلتم : يا موسى لن نصدقك ولن نقرّ بما جئتنا به حتى نرى الله جهرة عيانا، برفع الساتر بيننا وبينه، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا، كما تجهر الركية، وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين، فنفى ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصفا، يقال منه: قد جهرت الركية أجهرها جهرا وجهرة؛
ولذلك قيل: قد جهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا: إذا أظهره لرأي العين وأعلنه.
وفي القائلين لموسى ذلك قولان:
أحدهما: أنهم السبعون المختارون. والثاني: جميع بني إِسرائيل إلا من عصم الله منهم.
"فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ" وماتوا جميعا ، وأصل الصاعقة: كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب، وإلى ذهاب عقل ، أو فقد بعض آلات الجسم، صوتا كان ذلك، أو نارا، أو زلزلة، أو رجفا،
ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت، قول الله عز وجل: {وخر موسى صعقا} [الأعراف: 143] يعني مغشيا عليه.
وفي قوله : "وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ " قيل: أي ينظر بعضكم إلى بعض كيف يقع ميتاً. وقيل: تنظرون الصاعقة.

- ( قلت )
فرق بين طلب موسى عليه السلام وبين طلب قوم موسى ،
وفرق أيضا بين صعق موسى ، وصعق قومه .
فأمّا طلب موسى الرؤية كان طلبا لنعمة وفضل من الله لذلك قال تعالى له ( فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ
أي اشكر يا موسى أني اصطفيتك برسالتي وبكلامي والتوراة ولا تسألني الرؤية في الدنيا
.
أما طلب قوم موسى فكان استكبارا فقالوا لن نؤمن حتى نرى الله ،
لذلك اختلفا في الصعق ،فكان لموسى ما يشبه الاغماء من شدة ما رأى من تصدع الجبل ، ودليله ( فلما أفاق ) ،
لكن الصاعقة كانت عقوبة لبني اسرائيل وموتا فقال تعالى ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) .

قوله: "ثم بعثناكم" أي ثم أحييناكم ،
وأصل البعث: إثارة الشيء من محله، ومنه قولهم: بعث فلان راحلته: إذا أثارها من مبركها للسير.


وقوله: "لعلكم تشكرون" قيل: فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم بإحيائي إياكم ولتراجعوا التوبة من عظيم ذنبكم .
وقيل : حين قام موسى يبكي ويدعو الله، ويقول: رب، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [الأعراف: 155]
...