- إنضم
- نوفمبر 16, 2021
- المشاركات
- 423
- مستوى التفاعل
- 79
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
- قوله تعالى " فَرَقْنَا" أي فَلَقْنَا ، فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أَيِ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ. وَأَصْلُ الْفَرْقِ الْفَصْلُ وَمِنْهُ فَرْقُ الشَّعْرِ ،
وَمِنْهُ الْفُرْقَانُ لِأَنَّهُ يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَيْ يَفْصِلُ .
وَمِنْهُ" فَالْفارِقاتِ فَرْقاً" [المرسلات: 4] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ
ومنه" يَوْمَ الْفُرْقانِ" [الأنفال: 41] يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الحق والباطل .
- وَمَعْنَى" بِكُمُ" أَيْ لَكُمْ ، فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ ،
وَقِيلَ أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ ، أَيْ صَارُوا بَيْنَ الْمَاءَيْنِ فَصَارَ الْفَرْقُ بِهِمْ وَهَذَا أولى يبينه" فَانْفَلَقَ"
- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْبَحْرَ) الْبَحْرُ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاتِّسَاعِهِ.
وَيُقَالُ: فَرَسٌ بَحْرٌ إِذَا كَانَ وَاسِعَ الْجَرْيِ أَيْ كَثِيرُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْدُوبٍ فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا)
وَالْبَحْرُ: الْمَاءُ الْمَلِحُ .
-قوله تعالى (فَأَنْجَيْنَاكُمْ) وفي الآية التي قبلها قال (نَجَّيْناكُمْ) فما الفرق بين اللفظين ؟
الفرق بين أفْعل وفعّل ، مثل أكْرم وكرّم ، بتشديد العين تفيد التكثير و المبالغة ، ومثل أعلم وعلّم ، قد تكون للتفرقة بين طول زمن الفعل أو قصره .
فقوله تعالى( أنجاكم ) تفيد الاسراع ، مثل نجاة ابراهيم من النار، في سورة ابراهيم قال
( وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ ) الآية 6 .
أمّا (نجيناكم) تفيد طول زمن الفعل .
ومثل قوله في نوح عليه السلام (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ) يونس 73 ناسب اختيار نجينا والتي تفيد طول الوقت سياق الآيات والقصة حيث لم يهلك الله قوم نوح على الفور بل مكثوا قرابة ألف عام حتى أغرقهم ونجاه نوح من أذاهم وماقبلها في قوله (يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ )يونس 71 .
ثم جاء الله بلفظ (فَأَنجَيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ) في سورة الشعراء يفيد الاسراع ليناسب سياق الآيات ، حيث لما هدد قوم نوح برجم النبي نوح ومن معه ، وقيام نوح بدعاء ربه واستغاثه فلابد أن يأتي الرد السريع على دعاء نوح ، تقول الآيات (قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمَرۡجُومِينَ ١١٦ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ ١١٧ فَٱفۡتَحۡ بَيۡنِي وَبَيۡنَهُمۡ فَتۡحٗا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٨ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ ١١٩)
ولذكر ما سبق ، ناسب في هذه الآية أن يأتي بلفظ (فَأَنْجَيْنَاكُمْ) ذكر البحر وقوله " وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ" فهاهنا موقف لا يحتمل الابطاء وتطويل زمن الفعل والنجاة فجاء بصيغة الاسراع.
- وقوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}
قال الرازي : هذا هو النعمة الثانية .
وقال ابن كثير : وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون، وخرجتم مع موسى، عليه السلام، خرج فرعون في طلبكم، ففرقنا بكم البحر ، "فأنجيناكم" أي: خلصناكم منهم، وحجزنا بينكم وبينهم، وأغرقناهم وأنتم تنظرون؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم، وأبلغ في إهانة عدوكم.
وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء:
عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء،
فقال: " ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ ".
قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى، عليه السلام،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أحق بموسى منكم ".
فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصومه.
حديث متفق عليه .
- ( قلت ) قال الله تعالى في سورة الشعراء :
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ *
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) .
-وقلت :قال المفسرون في مسألة حلي آل فرعون ،
الأول : " ان قوم بني اسرائيل اسْتَعَارُوهُ من القبط حِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي عِيدٍ لَهُمْ أَوْ وَلِيمَةٍ " .
وهذا غير مقبول ، فهو لا يليق بخلق الأنبياء واستحالة حدوثه ، وأيضا كيف يجتمع جمع كبير من نساء بين اسرائيل على استعارة الحلي من نساء آل فرعون على ما كان بينهم من شقاق وعداء وكيف لم ينتبه قوم فرعون الى تلك الحيلة قال تعالى " إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا " ، وقال أيضا (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦ ) القصص .
الثاني : هُوَ أن مَا أَخَذُه بني اسرائيل مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، كان حين لَمَّا قَذَفَهُمُ الْبَحْرُ إِلَى السَّاحِلِ وأغرقوا في البحر كان معهم زينتهم من الذهب وغيرها ،
ولكن لم يحلّ الله لهم الغنائم كما أحلّها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
فشعر بني اسرائيل بالاثم حين أخذوها من جثث ومتاع آل فرعون المغرقين فقذفوها في النار ثم أخرج منها السامري العجل الذي عبدوه .
قال تعالى (فَأَخۡرَجۡنَٰهُم مِّن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ وَكُنُوزٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ) الشعراء 57-59