تأملات : " فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ "

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
تأملات : " فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ "

قال تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

سورة يونس الآية رقم 12 .

فعل : مَرَّ في اللغة :
أصل الفعل " مرر " ،
مَرَّ عَلَيْهِ وَبِهِ يَمُرُّ مَرًّا أَي اجْتَازَ. ومَرَّ يَمُرُّ مَرًّا ومُروراً: ذهَبَ، وَاسْتَمَرَّ مِثْلُهُ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مرَّ يَمُرُّ مَرًّا ومُروراً جَاءَ وَذَهَبَ، ومرَّ بِهِ ومَرَّه: جَازَ عَلَيْهِ.

قلت : المرور يفيد الذهاب والتولي وعدم المكث أو التوقف، فالداعي اللئيم قد نسي ما كان يدعو إليه من قبل ،

سواء من سوء حاله أو المدعو وهو الله الذي التزم سؤاله والوقوف ببابه ولزوم الخضوع والتذلل اليه .
أما الداعي الصالح فيظلّ مع ربه ذاكرا مسبحاً حامدا شاكراً ولا ينصرف عن ربه في أي حال .


والمرور أيضا يفيد سرعة التغير والتحول والانقلاب .

مكر ولؤم الداعين في القرآن:


والقصة أو المثل مذكور نحوه في سورة الزمر حيث قال تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ .

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .

وفي نفس سورة يونس الآية رقم 21 ، قال تعالى
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ )


حال السائلين بعد اجابة دعائهم

قال ابن كثير في تفسير الآية :


يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْإِنْسَانِ وَضَجَرِهِ وَقَلَقِهِ إِذَا مَسَّهُ الشر كَقَوْلِهِ: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ [فُصِّلَتْ: 51] أَيْ كَثِيرٍ،
وَهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَصَابَتْهُ شِدَّةٌ قَلِقَ لَهَا وَجَزِعَ مِنْهَا وَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ عِنْدَ ذَلِكَ فَدَعَا الله في كشفها ورفعها عَنْهُ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ وَقُعُودِهِ وَقِيَامِهِ وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ،
فَإِذَا فَرَّجَ اللَّهُ شِدَّتَهُ وَكَشَفَ كُرْبَتَهُ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَذَهَبَ كَأَنَّهُ مَا كان به من ذلك شَيْءٌ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ،
ثُمَّ ذَمَّ تَعَالَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَطَرِيقَتُهُ فَقَالَ: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ،
فَأَمَّا مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الْهِدَايَةَ وَالسَّدَادَ والتوفيق والرشاد فإنه مستثنى من ذلك .كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى :

وقال فخر الدين الرازي :

الْمَقْصُودَ مِنْ الْآيَةِ (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا )، بَيَانُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَلِيلُ الصَّبْرِ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ،
قَلِيلُ الشُّكْرِ عِنْدَ وِجْدَانِ النَّعْمَاءِ وَالْآلَاءِ،
فَإِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ أَقْبَلَ عَلَى التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ الدُّعَاءِ طَالِبًا مِنَ اللَّه تَعَالَى إزالة تلك المحنة، وتبديلها بالنعمة والمحنة، فَإِذَا كَشَفَ تَعَالَى عَنْهُ ذَلِكَ بِالْعَافِيَةِ أَعْرَضَ عَنِ الشُّكْرِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ الضُّرَّ وَلَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ الْإِنْعَامِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّه تَعَالَى لِكَشْفِ ضُرِّهِ،

وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَشِدَّةِ اسْتِيلَاءِ الْغَفْلَةِ وَالشَّهْوَةِ عَلَيْهِ،
وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مَذْمُومَةٌ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ صَابِرًا عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ شَاكِرًا عِنْدَ الْفَوْزِ بِالنَّعْمَاءِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ فِي أَوْقَاتِ الرَّاحَةِ وَالرَّفَاهِيَةِ حَتَّى يَكُونَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ فِي وَقْتِ الْمِحْنَةِ.

فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ (لجنبه أو قاعدا او قائما ) ؟


قُلْنَا: مَعْنَاهُ: إِنَّ الْمَضْرُورَ لَا يَزَالُ دَاعِيًا لَا يَفْتُرُ عَنِ الدُّعَاءِ إِلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُ الضُّرُّ، سَوَاءٌ كَانَ مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَعْدِيدًا لِأَحْوَالِ الضُّرِّ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا دَعَانَا وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ. وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، لِأَنَّ ذِكْرَ الدُّعَاءِ أَقْرَبُ إِلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ مِنْ ذِكْرِ الضُّرِّ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ أَحْوَالٌ لِلدُّعَاءِ يَقْتَضِي مُبَالَغَةَ الْإِنْسَانِ فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ إِذَا تَرَكَ الدُّعَاءَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ أَعْجَبَ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا بَدَأَ بِالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّهُ بِالضُّرِّ أَشَدُّ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ، فَهُوَ يَدْعُو أَكْثَرَ، وَاجْتِهَادُهُ أَشَدُّ، ثُمَّ الْقَاعِدِ ثُمَّ الْقَائِمِ، ذكره القرطبي.

الانسان جُبِلَ على قلة الصبر والنسيان والمَكْر :اذن الْإِنْسَانَ جُبِلَ عَلَى الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ وَقِلَّةِ الصَّبْرِ، وَجُبِلَ أَيْضًا عَلَى الْغُرُورِ وَالْبَطَرِ وَالنِّسْيَانِ وَالتَّمَرُّدِ وَالْعُتُوِّ،
فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ حَمَلَهُ ضَعْفُهُ وَعَجْزُهُ عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَإِظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ،

وَإِذَا زَالَ الْبَلَاءُ وَوَقَعَ فِي الرَّاحَةِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ النِّسْيَانُ فَنَسِيَ إِحْسَانَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ،
وَوَقَعَ فِي الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ وَالْجُحُودِ وَالْكُفْرَانِ فَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ نَتَائِجِ طَبِيعَتِهِ وَلَوَازِمِ خِلْقَتِهِ،
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ مَعْذُورُونَ وَلَا عُذْرَ لَهُمْ.الداعي اللئيم وسؤال الناس :وكما فعل الداعي اللئيم مع ربه ، فكذلك حاله مع الناس الذين يلجأ اليهم ليفرجوا كربه وهمه ، فااذا كان هو في ضيق ، وجدته مقبل عليك متهللا حامدا لك ويثني على شخصك ،متذللا أن تجيب طلبه ومسألته ، ويظل كذلك معك طالما كان في ضيقه ، ثم اذا قمت أنت باجابة طلبه وفاز بمسألته ،
انفض عنك و لم تجده عندك ، بل أنك تبحث عنه وتطلبه فلا تعثر عليه وكما يقول المثل " فص ملح وذاب " .
حتى أنك قد تقع في ضيق وكرب وتحتاج اليه كي يفرج عنك فلا تكاد ان تعثر عليه، وان وجدته لقيك بوجه عبوس أو وجه مشغول .
 
التعديل الأخير:
أعلى أسفل
}