الايجاز وبلاغة القرآن

Admin

Administrator
طاقم الإدارة
المحلاوي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
615
مستوى التفاعل
106
‌‌البلاغة
تعريف الايجاز :
الإيجاز تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى ، وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة ، فالألفاظ القليلة إيجاز.
طرق الايجاز :
والإيجاز على وجهين: حذف ، وقصر ،
فالحذف إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام ،
والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.
الحذف :
فمن الحذف {واسئل القرية} ومنه {ولكن البر من اتقى} ، ومنه {براءة من الله} ، ومنه {طاعة وقول معروف}.
ومنه حذف الأجوبة ، وهو أبلغ من الذكر ، وماجاء منه في القرآن كثير كقوله جل ثناؤه: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} كأنه قيل: لكان هذا القرآن.
ومنه {وسيق الذين اتقول ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير ،
وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب ، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان ،
فحذف الجواب في قولك: لو رأيت عليًا بين الصفين ، أبلغ من الذكر لما بيناه.
وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف غامضًا ، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع التي لا يصلح ، فمن ذلك: " ولكم في القصاص حياة" ،
ومنه {يحسبون كل صيحة عليهم} ، ومنه {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها}
ومنه {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} ، ومنه {إنما بغيكم على أنفسكم} ومنه: {ولا يحيق المكر السيئُ إلا بأهله} وهذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير .
القتل أنفى للقتل :
وقد استحسن الناس من الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل ، وبينه وبين لفظ القرآن ﵟوَلَكُمۡ فِي ‌ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞﵞ تفاوت في البلاغة والإيجاز ، وذلك يظهر من أربعة أوجه: إنه أكثر في الفائدة ، وأوجز في العبارة وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة ، وأحسن تأليفًا بالحروف المتلائمة.
أما الكثرة في الفائدة فيه ففيه كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل ، وزيادة معان حسنة ، منها إبانة العدل لذكره القصاص ، ومنها إبانة الغرض المرغوب فيه لذكره الحياة؛ ومنها الاستدعاء بالرغبة والرهبة لحكم الله به.
وأما الإيجاز في العبارة فإن الذي هو نظير - القتل أنفى للقتل - قوله {القصاص حياة} ، والأول أربعة عشر حرفا ، والثاني عشرة أحرف ،
وأما بعده من الكلفة بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة فإن قولهم: القتل أنفى للقتل تكريرا غيره أبلغ منه ، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر في باب البلاغة عن أعلى طبقة ،
وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة فهو مدرك بالحس وموجود في اللفظ. فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد الهمزة من اللام ، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام ، فباجتماع هذه الأمور التي ذكرناها صار أبلغ منه وأحسن ، وإن كان الأول بليغًا حسنا.
وظهور الإعجاز في الوجوه التي نبينها يكون باجتماع أمور يظهر بها للنفس أن الكلام من البلاغة في أعلى طبقة ، وإن كان قد يتلبس فيما قل بما حسن جدا لإيجازه ، وحسن رونقه ، وعذوبة لفظه ، وصحة معناه. كقول علي رضي الله عنه: "قيمة كل امرئ ما يحسن" ، فهذا كلام عجيب يغني ظهور حسنه عن وصفه ، فمثل هذه الشذرات لا يظهر بها حكم ،
فإذا انتظم الكلام حتى يكون كأقصر سورة أو أطول آية ظهر حكم الإعجاز ، كما وقع التحدي في قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} ، فبان الإعجاز عن ظهور مقدار السورة من القرآن
معنى الاطناب :
والإيجاز بلاغة ، والتقصير عيي ، كما أن الإطناب بلاغة والتطويل عيي ، والإيجاز لا إخلال فيه بالمعنى المدلول عليه ، وليس كذلك التقصير ، لأنه لا بد فيه من الإخلال.
فأما الإطناب فإنما يكون في تفصيل المعنى وما يتعلق به في المواضع التي يحسن فيها ذكر التفصيل ، فإن لكل واحد من الإيجاز والإطناب موضعا يكون به أولى من الآخر ، لأن الحاجة إليه أشد ، والاهتمام به أعظم ، فأما التطويل فعيب وعي ، لأنه تكلف فيه الكثير فيما يكفي منه القليل ، فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب. وأما الإطناب فليس كذلك لأنه كمن سلك طريقًا بعيدا لما فيه من النزهة الكثيرة والفوائد العظيمة ، فيحمل في الطريق إلى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب.
وجوه الايجاز :
والإيجاز على وجهين: أحدهما إظهار النكتة بعد الفهم لشرح الجملة ، والآخر إحضار المعنى بأقل ما يمكن من العبارة ، والوجه الأول يكون كثيرا في العلوم القياسية ، وذلك أنه إذا فهم شرح الجملة كفى بعد ذلك حفظ النكتة لأنها تكون حينئذ دالة ومغنية عن التعلق بها في نفسها ، لتعلق النكتة بها ، فهذا الضرب من الإيجاز لا يكون إلا بعد أحوال متقررة من الفهم لشرح الجملة فحينئذ تكون النكتة مغنية ، وأما الوجه الآخر فمستأنف لم يقرر له حال خاصة يكون جارا لها من حيث تعلق بها من فهم كيف وجه التعلق فيهما.
والإيجاز على ثلاثة أوجه: الإيجاز بسلوك الطريق الأقرب دون الأبعد ، وإيجاز باعتماد الغرض دون ما تشعب ، وإيجاز بإظهار الفائدة بما يستحسن دون ما يستقبل ، لأن المستقبل ثقيل على النفس؛ فقد يكون للمعنى طريقان أحدهما أقرب من الآخر كقولك: تحرك حركة سريعة - في موضع أسرع وقد يكتنف الغرض شعب كثيرة كالتشبيب قبل المديح ، وكالصفات لما يعترض الكلام مما ليس عليه الاعتماد ، وإذا ظهرت الفائدة بما يستحسن فهو إيجاز لخفته على النفس.
(قلت : مثلا اذا ركبت سيارة من منزلك الى غاية معينة وامامك طريق قصير طوله 500 متر وآخر طريق طويل 1000 متر ، فااذا سلكت الطريق القصير كان ايجازا ، لكن الطريق الطويل يمر على معالم سياحية وحدائق ذات بهجة فكان فيه فوائد كثيرة فذلك هو الاطناب ، التكثير من أجل تفصيل المعنى )
وإذا عرفت الإيجاز ومراتبه. وتأملت ما جاء في القرآن منه ، عرفت فضيلته على سائر الكلام ، وهو علوه على غيره من سائر الكلام ، وعلوه على غيره من أنواع البيان ، والإيجاز تهذيب الكلام بما يحسن به البيان ، والإيجاز تصفية الألفاظ من الكدر وتخليصها من الدرن ، والإيجاز البيان عن المعنى بأقل ما يمكن من الألفاظ ، والإيجاز إظهار المعنى الكثير باللفظ اليسير ، والإيجاز والإكثار إنما هما في المعنى الواحد ، وذلك ظاهر في جملة العدد وتفصيله كقول القائل لي عنده خمسة وثلاثة واثنان في موضع عشرة ،
وقد يطول الكلام في البيان عن المعاني المختلفة وهو مع ذلك في نهاية الإيجاز. وإذا كان الإطناب لا منزلة إلا ويحسن أكثر منها فالإطناب حينئذ إيجاز كصفة ما يستحقه الله تعالى من الشكر على نعمه ، فإطناب فيه إيجاز.
(المصدر \ النكت في اعجاز القرآن)
 
أعلى أسفل
}