كيف كان يأتي الوحي للنبي محمد ؟

م/محسن

عضو برونزي
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
256
مستوى التفاعل
60
كيف  كان ياتي الوحي

الوحي هنا المقصود منه هو ما ينزل به الملَك من عند الله من كلامه تعالى على أنبيائه ورسله، وهو أمر غائب عن الناس والبشر لذلك سأل عنه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من باب العلم والتثبت بأمر الوحي .
حديث سؤال الحارث بن هشام .
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ،
وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ" .

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا
أخرجه البخاري
الشرح:
قوله : ( أن الحارث بن هشام )هو المخزومي، أخو أبي جهل شقيقه، أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة، خرج غازيا الى فتوح الشام فاستشهد .
قوله : (سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة، فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة .
قوله (كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ ) يحتمل أن يكون المسؤول عنه صفة الوحي نفسه، ويحتمل أن يكون صفة حامله .
قوله : ( أحيانا ) جمع حين، يطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت، فكأنه قال : أوقاتا يأتيني، وانتصب على الظرفية، وعامله " يأتيني " مؤخر عنه .
وللبخاري من وجه آخر عن هشام في بدء الخلق قال :
"كل ذلك يأتي الملك"، أي كل ذلك حالتان فذكرهما .
وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم محصور في حالتين فقط من حالات الوحي ، وكأن السائل يستفسر عن كيفية مجيء الوحي بالقرآن ، والا فهناك حالات أخرى مثل النفث في الروع، والإلهام، والرؤيا الصالحة، والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة .
قال أبو عمر بن عبد البر : المقصد بهذا الحديث نزول القرآن والله أعلم .
قال في هذا الحديث دليل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسألونه عليه السلام عن كثير من المعاني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل وطائفة تحفظ وتؤدي وتبلغ حتى اكتمل الله دينه والحمد لله.
قوله : (مثل صلصلة الجرس ) في رواية مسلم " في مثل صلصلة الجرس " والصلصلة: في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين،
وقيل : هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة،
والجرس: الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب.
وقال الكرماني : الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا .
قوله : (وهو أشدّه علي ) يفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدها .
قوله : ( فيفصم ) أي : يقلع ويتجلى ما يغشاني، وينفرج عني ،وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى : ( لا انفصام لها )
قوله : ( وقد وعيت عنه ما قال ) أي : القول الذي جاء به
قوله : ( يتمثل لي الملك رجلا ) التمثل مشتق من المثل، أي : يتصور لي جبريل رجلا .
وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر قال تعالى في قصة مريم(فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ).
ودليل أن ملاك الوحي هو جبريل قوله تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
قوله : ( فأعي ما يقول ) أي فأفهم ، زاد أبو عوانة في صحيحه " وهو أهونه على " .
قوله : ( قالت عائشة ) هو بالإسناد الذي قبله، قولها ( ليتفصّد ) مأخوذ من الفصد وهو : قطع العرق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق .
وفي قولها ( في اليوم الشديد البرد ) دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق في شدة البرد، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية .
زاد ابن أبي الزناد عن هشام بهذا الإسناد عند البيهقي في الدلائل :
" وإن كان ليوحى إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحى إليه "

حديث يعلي في رؤية النبي حين ينزل عليه الوحي :
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه
"فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ،
فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ"


(يَعْلَى) هو يعلى بْنِ أُمَيَّةَ، كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْه" ، فأحضروا يَعْلى ليرى النبي صلى الله عليه وسلم .
(يَغِطُّ) من الغطيط وهو صوت معه بحوحة كشخير النائم .

حديث كان يعالج من الوحي شدة :
واستكمالا لحال النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان ينزل عليه الوحي ، نضيف حديث ابن عباس .
قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْ
هِ –
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ.
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} . قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ.

الشرح
قوله : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ "
المعالجة محاولة الشيء بمشقة ، وكان كثيرا ما يفعل ذلك بتحريك شفتيه ليتابع قراءة الملك عليه .
(فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) ولا تنافي بين تحريك الشفتين وقوله لا تحرك به لسانك ، لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة، ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء، قاله الحسن وغيره .

ووقع في رواية للترمذي " يحرك به لسانه يريد أن يحفظه " ،
وللنسائي " يعجل بقراءته ليحفظه " ،
ولابن أبي حاتم " يتلقى أوله، ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره " ،
وفي رواية الطبري عن الشعبي " عجل يتكلم به من حبه إياه " .
وكلا الأمرين مراد، ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك،
فأمر بأن ينصت حتى يقضي إليه وحيه، ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره، ونحوه قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه ) أي : بالقراءة .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى أسفل
}