تاريخ الفتوحات العمرية في سوريا وفلسطين

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,113
مستوى التفاعل
105
فتوحات عمر بن الخطاب في الشام :
فتح حمص وبيت المقدس:
نعيش هذه الايام أحداث مأساوية ومخزية في سوريا وفلسطين ،
فلنتذاكر فتوحات عمر بن الخطاب لعله يكون بشرى لعودة بناء ما قام به أسلافنا منذ 1400 سنة ، واسترداد الأراضي والكرامة.

خمس فتوحات في سنة 15 هجرية:
حمص، قنسرين، قيسارية، أجنادين، بيت المقدس

وقعة حمص الأولى:

لما وصل أبو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين إلى حمص ، نزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد ابن الوليد فحاصروها حصارا شديدا،
وذلك في زمن البرد الشديد، وصابر أهل البلد رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد ، وصبر الصحابة صبرا عظيما بحيث إنه ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع ، وقد سقطت رجله وهي في الخف، والصحابة ليس في أرجلهم شئ سوى النعال، ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا أصبع أيضا، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار ،
وأشار بعض كبار أهل حمص عليهم بالمصالحة فأبوا عليه ذلك وقالوا: أنصالح والملك منا قريب ؟،

فيقال إن الصحابة كبروا في بعض الأيام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران ،
ثُمَّ تَكْبِيرَةً أُخْرَى فَسَقَطَتْ بَعْضُ الدُّورِ ، فَجَاءَتْ عَامَّتُهُمْ إِلَى خَاصَّتِهِمْ فَقَالُوا: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَا نَزل بنا وما نحن فيه ؟ أَلَا تُصَالِحُونَ الْقَوْمَ عَنَّا؟
قَالَ: فَصَالَحُوهُمْ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ أَهْلَ دِمَشْقَ ، عَلَى نِصْفِ الْمَنَازِلِ ، وَضَرْبِ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرَاضي وأخذ الجزية على الرِّقاب بحسب الغنى والفقر .

وقعة قنسرين:

لما فتح أبو عبيدة حمص بعث خالد بن الوليد إلى قنسرين ، فلما جاءها ثار إليه أهلها ومن عندهم من نصارى العرب ، فقاتلهم خالد فيها قتالا شديدا، وقتل منهم خلقا كثيرا، فأما من هناك من الروم فأبادهم وقتل أميرهم ميتاس .

وأما الأعراب فإنهم اعتذروا إليه بأن هذا القتال لم يكن عن رأينا فقبل منهم خالد وكف عنهم ثم خلص إلى البلد فتحصنوا فيه ، فقال لهم خالد إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا .

وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فلما بلغ عمر ما صنعه خالد في هذه الوقعة قال يرحم الله أبا بكر ، كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبة ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَقَهْقَرَ هِرَقْلُ بِجُنُودِهِ ، وَارْتَحَلَ عَنْ بِلَادِ الشَّامِ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ.
هكذا ذكره ابن جرير عن محمد بن إسحاق: قال وقال سيف: كان ذلك في سنة ست عشرة، قالوا: وكان هرقل كلما حج إلى بيت المقدس وخرج منها يقول عليك السلام يا سورية ، تسليم مودع لم يقض منك وطرا وهو عائد.
فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنَ الشام والبلدان الرها ، طَلَبَ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يَصْحَبُوهُ إِلَى الرُّومِ ، فقالوا: إن بقاءنا هاهنا أَنْفَعُ لَكَ مِنْ رَحِيلِنَا مَعَكَ ، فَتَر.
فلما وصل إلى شمشان وعلا على شرف هنالك التفت إلى نحو بيت المقدس وقال: عليك السلام يا سورية سلاما لا اجتماع بعده إلا أن أسلم عليك تسليم المفارق، ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا حتى يولد المولود المشؤم، ويا ليته لم يولد.

مَا أَحْلَى فِعْلَهُ وَأَمَرَّ عَاقِبَتَهُ عَلَى الرُّومِ! ! ثم سار هرقل حتى نزل القسطنطينية واستقر بها ملكه ، وقد سأل رجلا ممن اتبعه كان قد أسر مع المسلمين ، فقال: أخبرني عن هؤلاء القوم، فقال: أخبرك كأنك تنظر إليهم، هم فرسان بالنهار، رهبان بالليل، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يَدْخُلُونَ إِلَّا بِسَلَامٍ ، يَقِفُونَ عَلَى مَنْ حَارَبُوهُ حَتَّى يَأْتُوا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي لَيَمْلِكُنَّ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.

وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ

قال ابن جرير: وفي هذه السنة أمر عمر معاوية بن أبي سفيان على قيسارية وكتب إليه: أما بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير .

فسار إليها فحاصرها، وزاحفه أهلها مرات عديدة، وكان آخرها وقعة أن قاتلوا قتالا عظيما، وصمم عليهم معاوية، واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه فما انفصل الحال حتى قتل منهم نحوا من ثمانين ألفا ، وكمل المائة الألف من الذين انهزموا عن المعركة، وبعث بالفتح وَالْأَخْمَاسِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قال ابن جرير: وفيها كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى إيليا ، ومناجزة صاحبها فاجتاز في طريقه عند الرملة بطائفة من الروم فكانت :

وقعة أجنادين

وذلك أنه سار بجيشه وعلى ميمنته ابنه عبد الله بن عمرو ، وعلى ميسرته جنادة بن تميم المالكي، من بني مالك بن كنانة، ومعه شرحبيل بن حسنة، واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي، فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعا من الروم عليهم الأرطبون ، وكان أَدْهَى الرُّومِ وَأَبْعَدَهَا غَوْرًا ، وَأَنْكَاهَا فِعْلًا ، وَقَدْ كَانَ وَضَعَ بِالرَّمْلَةِ جُنْدًا عَظِيمًا وَبِإِيلِيَاءَ جُنْدًا عَظِ فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ بِالْخَبَرِ.

فلمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَمْرٍو قَالَ: قَدْ رَمَيْنَا أَرْطَبُونَ الرُّومِ بِأَرْطَبُونِ الْعَرَبِ ، فَانْظُرُوا عَمَّا تَنْفَرِجُ.
وَبَعَثَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلْقَمَةَ بْنَ حَكِيمٍ الْفَرَّاسِيَّ ، وَمَسْرُوقَ بْنَ بلال العكي على قتال أهل إيليا.
وأبا أيوب المالكي إلى الرملة، وعليها التذارق، فكانوا بإزائهم ليشغلوهم عن عمرو بن العاص وجيشه، وجعل عمرو كلما قدم عليه أمداد من جهة عمر يبعث منهم طائفة إلى هؤلاء وطائفة إلى هؤلاء .
وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل فوليه بنفسه، فدخل عليه كأنه رسول، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حضرته حتى عرف ما أراد، وقال الأرطبون في نفسه: والله إن هذا لعمرو أو إنه الذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت لاطيب الْقَوْمَ بِأَمْرٍ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ.
فدعا حرسيا فساره فأمره بفتكه فقال: اذهب فقم في مكان كذا وكذا، فإذا مر بك فاقتله، ففطن عمرو بن العاص فقال للأرطبون: أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر ابن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ لِيَسْمَعُوا كَلَامَكَ وَيَرَوْا مَا رَأَيْتُ.
فَقَالَ الْأَرْطَبُونُ: نَعَمْ! فَاذْهَبْ فأتني بِهِمْ ، وَدَعَا رَجُلًا فَسَارَّهُ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ فَرُدَّهُ.

وَقَامَ عَمْرٌو فَذَهَبَ إِلَى جَيْشِهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ الْأَرْطَبُونُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، فَقَالَ: خَدَعَنِي الرَّجُلُ ، هَذَاعََ
وبينت عمر بن الخطاب فقال: لِلَّهِ دَرُّ عَمْرٍو.
ثم ناهضه عمرو فاقتتلوا بأجنادين قتالا عظيما، كقتال اليرموك، حتى كثرت القتلى بينهم ثم اجتمعت بقية الجيوش إلى عمرو بن العاص، وذلك حين أعياهم صاحب إيليا وتحصن منهم بالبلد، وكثر جيشه، فكتب الأرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري أنت في قومك مثلي في قومي، وَاللَّهِ لَا تَفْتَحُ مِنْ فِلَسْطِينَ شَيْئًا بَعْدَ أَجْنَادِينَ فَارْجِعْ وَلَا تغر فتلقى مثل ما لقي الذين قَبْلَكَ مِنَ الْهَزِيمَةِ ، فَدَعَا عَمْرٌو رَد ا يتكلم بالرومية فبعثه إلى أرطبون وقال: اسمع ما يقول لك ثم ارجع فأخبرني.
وكتب إليه معه: جاءني كتابك وأنت نظيري ومثلي في قومك، لو أخطأتك خصلة تجاهلت فضيلتي وقد علمت أني صاحب فتح هذه البلاد ، واقرأ كتابي هذا بمحضر من أصحابك ووزرائك.

فَلَمَّا وَصَلَهُ الْكِتَابُ جَمَعَ وُزَرَاءَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ فَقَالُوا لِلْأَرْطَبُونِ: مِنْ أَيْنَ عَلِمت أنه ليس بصاحب تلك البلاد ؟
فَقَالَ: صَاحِبُهَا رَجُلٌ اسْمُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ.
فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ يَسْتَمِدُّهُ وَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي أُعَالِجُ حربا كؤدا صدوما وبلادا قد أّدخْرت لك ، فرأيك ؟
فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى عُمَرَ ،عِلْمَ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا لِأَمْرٍ عَلِمَهُ ، فَعَزَمَ عُمَرُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الشَّام لفتح بيت المقدس .

فتح بيت المقدس

عَنْ رِوَايَةِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ هو وغيره:
أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ دِمَشْقَ كتب إلى أهل إيليا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، أَوْ يَبْذُلُونَ الجزية أو يؤذنوا بِحَرْبٍ.
فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ.
فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَنْ لَا يركب اليهم ليكون أحقر إليهم وأرغم لأنوفهم ،
وَأَشَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ لِيَكُونَ أَخَفَّ وَطْأَةً عَلَى الْمُسْلِمين في حصارهم بينهم، فَهَوِي ما قاله عليّ ولم يهو ما قاله عثمان .
وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس ابن عبد المطلب على مقدمته ، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤس الأمراء ، كخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، فترجل أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بِتَقْبِيلِ رِجْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَكَفَّ أَبُو عُبَيْدَةَ فَكَفَّ عُمَرُ.

ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء .
ويقال إنه لبى حين دخل بيت المقدس فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود ، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه ، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار وأشار عليه كعب أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ.
ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك، وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى إن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها مِنْ دَاخِلِ الْحَوْزِ لِتُلْقَى فِي الصَّخْرَةِ ، وَذَلِكَ مُكَافَأَةً لِمَا كَانَتِ الْيَهُودُ عَامَلَتْ بِهِ الْقُم امة وهي المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة وانسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك.

صالح عمر أهل الجابية ورحل إلى بيت المقدس وقد كتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه في اليوم الفلاني إلى الجابية فتوافوا أجمعون في ذلك اليوم إلى الجابية .
فكان أول من تلقاه يزيد بن أبي سفيان، ثم أبو عبيدة، ثم خالد بن الوليد في خيول المسلمين وعليهم يلامق الديباج ، فسار إليهم عمر ليحصبهم فاعتذروا إليه بأن عليهم السلاح ، وأنهم يحتاجون إليه في حروبهم.
فسكت عنهم واجتمع الأمراء كلهم بعد ما استخلفوا على أعمالهم، سوى عمرو بن العاص وشرحبيل فإنهما مواقفان الأرطبون بأجنادين.

(المصادر: البداية والنهاية ، ابن كثير – تاريخ الطبري)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى أسفل
}