المؤامرة على الفُصْحى لغة القرآن

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
images (3) (3).jpeg

المؤامرة على الفُصْحى لغة القرآن
..
(1)
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
...
ما تزال المؤامرة على اللغة العربية الفصحى مستمرة لم تتوقف .. لها خيوطها المرتبطة بالاستعمار والاستشراق والتبشير والتغريب .. ثم تضاعفت الدعوة إليها وتنوعت مرتبطة بالصهيونية والماركسية ..
وهي مؤامرة تلبس في بعض حلقاتها ومراحلها ثوب البحث العلمي، وتحاول أن تدعي أنها تستهدف الخير والتقدم ..
والصورة المعروضة اليوم تخدع الكثيرين. وربما تجد لها من بعض الشباب الذي لم يلم إلماماً كافيا بخطوات المؤامرة، استجابة ساذجة.
وقد كانت المؤامرة على اللغة العربية أساساً

تستهدف الدعوة إلى العامية، أو كتابة العربية بالحروف اللاتينية، وأخذت في بعض الأوقات الدعوة إلى معارضة مفاهيم النحو أو نطق الكلمات،
وجرت في خلال السنوات الطويلة الممتدة منذ حمل لواءها المبشر الإنجليزي وليم ويلكوكس
في مراحل متعددة وانتقلت من مصر إلى المغرب إلى الشام ولبنان، واستطاعت أن تجد لها دعاة ممن يكتبون بالعربية خلفوا أولئك الأجانب الذين حملوا اللواء أول الأمر ..

--

والذين ينظرون اليوم في مشروع العربية الأساسية الذي تقدمت به بعض الهيئات الأجنبية في حزيران-يونيو 1973

في مؤتمر برمانا،

ومنذ أن ارتفعت

صيحة الدكتور عمر فروخ بالكشف عنه

وإذاعته واهتمام الجهات المختصة به حتى أصدرت إحدى الهيئات الإسلامية وهي:
مجمع البحوث بالأزهر تحذيرها الخطير بتوقيع

الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر

أقول إن الذين ينظرون في هذا المشروع اليوم يجدونه مرتبطاً كل الارتباط
بما أعلنه اللورد دوفرين في تقريره الذي وضعه عام 1882 بعد الاحتلال البريطاني لمصر حين دعا إلى معارضة اللغة الفصحى، لغة القرآن، وتشجيع لهجة مصر العامية واعتبارها حجر الزاوية في بناء منهج الثقافة والتعليم والتربية في مصر ..
وحين قال في تقريره بالحرف الواحد "

إن أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامة تتعلم اللغة الفصحى العربية -لغة القرآن- كما هي في الوقت الحاضر" ..
ثم لم يلبث المبشر وليم ويلكوكس الذي كان يعمل مهندساً في الحملة الاستعمارية على مصر أن دعا في خطابه المشهور عام 1883 بنادي الأزبكية إلى نشر اللغة العامية والتأليف بها. وقد أطلق على خطبته اسماً خطيراً هو: "لماذا لا توجد قوة الاختراع عند المصريين ..!"، وكانت إجابته بالطبع: "إن السر ذلك هو اللغة العربية الفصحى، وإن سبيل إيجاد قوة الاختراع هو اتخاذ العامية بديلاً ..!".

وتوالت المحاولات الماكرة اللئيمة التي كانت تستهدف أمراً واحداً هو عزل المسلمين عن بيان القرآن وعن أسلوبه وشق وحدة اللسان والكلمة

بإعلاء العاميات في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية حتى تنمو تلك العاميات وتصبح لغات منفصلة،
وعندئذ يصبح القرآن (تراثاً) يترجم ويقرأ عن طريق القواميس.
وهم يعضون تجربة اللغة اللاتينية بالنسبة للإنجيل في أوربا كصورة نموذجية للمحاولة،
ويجهلون مدى الفارق البعيد بين اللغتين،

وينسون أن الإنجيل لم ينزل باللغة أصلاً

وإنما ترجم إليها ..

---

2-

ولما عجزت خطة العامية، قدمت خطة الكتابة بالحروف اللاتينية. واضطلعت المحافل اللغة الرسمية في تقديم عشرات من المشروعات: كان أخطرها مشروع عبد العزيز فهمي باشا الذي قوبل بالسخط والنكير من جميع حماة اللغة العربية والذائدين عنها، وإن كان أتباع التغريب من أمثال لطفي السيد وطه حسين عجزوا عن أن يعلنوا رأياً صريحاً قاطعاً. ذلك أن لطفي السيد نفسه كان من أوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة إلى العامية بعد أن مهد لها: (ويلكوكس - ويلمور - دنلوب).
3-

ثم كانت هناك خطة ثالثة هي

(اللغة الوسطى)
وتلك دعوة حمل لواءها فريد أبو حديد وتوفيق الحكيم وأمين الخولي. وهي محاولة ماكرة لفصل اللغة العربية الفصحى عن لغة الكلام ولغة الكتابة بإعلاء اللهجات واعتماد اللغة الصحفية لغة أساسية. فلا هي عامية ولا هي فصحى؛ ولكنها تنزل درجة عن الفصحى لتنفصل عن بيان القرآن وتكون مقدمة لمرحلة أخرى تصل بها إلى العامية
4-

وجاءت بعد ذلك محاولة خطيرة تولاها وتصدى لها الدكتور طه حسين، هي: تبديل الخط العربي وقواعد النحو باسم

(تطوير اللغة)
تحت اسم تهذيب أو تيسير أو إصلاح أو تجديد، وهي أسماء لبقة مرنة تخفي وراءها هدفاً خطيراً هو -كما عبر عنه الدكتور محمد محمد حسين: "التحلل من القوانين والأصول التي صانت اللغة خلال خمسة عشر قرناً أو يزيد) وهي القوانين التي ضمنت لنا القدرة على مطالعة تراث المسلمين والعرب خلال أربعة عشر قرناً.
فإذا ما تحققت هذه الخطة التي تسمى بالتطوير أو التهذيب وتحللنا من هذه الأصول والقوانين والقواعد التي صانت اللغة هذه القرون، كانت النتيجة هي تحقيق الهدف. في تبلبل الألسنة بين المصري والشامي والمغربي وما بين الإيطالي والأسباني .. وتصبح قراءة القرآن والتراث العربي والإسلامي متعذرة على غير المتخصصين من دارس الآثار ومفسري الطلاسم .. وعندئذٍ تصبح وحدة العرب مقدمة لوحدة المسلمين عمل باطل
..
 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
يقول الدكتور محمد محمد حسين

"ليس الخطر في الدعوة إلى العامية، ولا في الدعوة إلى الحروف اللاتينية ولا إلى إبطال النحو وقواعد الإعراب أو إسقاطها؛ وإنما الخطر في هؤلاء العتاة الذين يعرفون كيف يخدعون الصيد بإخفاء الشراك ..
إن الخطر الحقيقي

هو في الدعوات التي يتولاها خبثاً الهدامون

مِمَن يخفون أغراضهم الخطيرة ويضعونها في أحب الصور إلى الناس ولا يطمعون في كسب عاجل، ولا يطلبون انقلاباً كاملاً سريعاً .. إن الخطر الحقيقي هو قبول (مبدأ التطوير) نفسه؛ لأن التسليم به والأخذ فيه لا ينتهي إلى حد معين أو مدى معروف يقف عنده المتطورون، ولا ريب أن التزحزح عن الحق كالتفريط في العرض.

--

5-

كانت هناك ولا تزال خطة أخرى

(وهذه الخطط كلها تعمل داخل المؤسسات)

مؤسسات اللغة والتعليم. تلك هي

بدعة إصلاح اللغة ..
وقد ظن الكثير من البسطاء أن المسألة يراد بها سهولة الأداء، فالمصطلح خادع وماكر وسيء النية أيضاً ..
وقد كشف هذه المؤامرة الدكتور علي العناني حين قال:
"إن الإصلاح في الألفاظ والتراكيب والأساليب لا يكون إلا بتغيير قواعد أبنية اللغة وهي (الصرف) وتحوير ضوابط إعرابها والأحوال العارضة على الألفاظ باختلاف الوضع في الجملة وهو (النحو) وتبديل الموضع اللفظي في المفرد والمركب من حيث الحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية وهو (البيان) وبتغيير وإهمال ضوابط الفصاحة والبلاغة وهي (المعاني)، ومعنى إصلاح قواعد الصرف انتقالاً من الصعب إلى السهل إنما يعني أن نهدم علم الصرف من أساسه وننسخه نسخاً تاماً لتعدد قواعده وتنوع ضوابطه، وبعد أن يتم الهدم يبني المصلحون على أنقاضه صرفاً جديداً محدود القواعد، قليل التنويع، خفيفاً على العقل والفكر، سهلاً على الذهن والفهم .. وكذلك الأمر في إصلاح قواعد النحو، وإصلاح علوم البلاغة.

وبهذا يكون معنى الإصلاح في اللغة نسخ العقلية العربية وما فيها من ثقافة نظرية وعملية. ذلك أن الإصلاح هو التغيير، والتغيير يعني الإزالة والوضع.
ويقول الدكتور العناني أن تغيير قواعد اللغة العربية صرفاً ونحواً بالوضع فقط، أو بالوضع والإزالة

معناه إحداث لغة جديدة بقواعد جديدة.
وهذه اللغة العربية الجديدة إن صح اتصالها بالعربية الحالية المدونة اتصال اللهجة بالأم، فإنه تعبد عنها شيئاً فشيئاً حتى تختفي معالم الصلات بينهما، أو تكاد وعندئذ تكون اللغة العربية الحالية من اللغات الميتة ..
ونقول أن هذا ما يحلم به سعيد عقل، وأنيس فريحة، ولويس عوض .. وما كان يتمناه سلامة موسى، والخوري مارون غصن وطه حسين ولطفي السيد ..
ومعنى هذا أن يصبح كل تراث العربية البالغ عشرات الآلاف من الكتب في مختلف مجالات الشريعة الإسلامية والأدب، والحضارة والفكر والفن عبارة عن توابيت في دار الآثار والمتاحف .. ويقول الدكتور علي العناني: "إن قواعد اللغة العربية وُضِعت طبقاً لنصوص القرآن والحديث والمسموع من العرب، فالتغيير في هذه القواعد هجر للقرآن والحديث.

--

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
كذلك فإن الدين الإسلامي وهو عقيدة وشريعة قد استنبطت أحكامه فيما يختص بالعقيدة والتشريع في العبادات والمعاملات من الكتاب والسنة وعمل الرسول والقياس والاجتهاد. وكل هذه الأركان والينابيع لا يمكن أن يستنبط منها حكم إلا بواسطة مبادئ خاصة وقوانين معروفة بعلم الأصول. وأساس هذه المبادئ والقوانين الراسخ أو دعائم علم الأصول إنما هي فهم لغة العرب: لغة القرآن والرسول بما وضع لها من القواعد الصرفية والنحوية وضوابط علوم البلاغة، وإذا أصلحت هذه الضوابط وتلك القواعد بالإزالة والوضع انهدم أساس علم الأصول وتداعت دعائمه، وإذا انهدم الأساس وتداعت الدعائم انهدم أيضاً ما يرتكز عليها، وهو هذا العلم .. وإذا وصل هذا العلم الأساسي في استنباط أحكام العقيدة ومسائل الشريعة إلى التداعي، تداعت معه أيضاً طريقة الاستنباط وفهم ما استنبط ودون بالفعل، وضاعت العقيدة واحتجبت الشريعة وعدنا إلى الجاهلية الأولى.

6-

هذه هي خلفية الصورة البراقة التي نراها اليوم يحملها مجموعة من أعداء الإسلام واللغة العربية ويدافعون عنها وينقلونها من ثوب إلى ثوب، ومن أسلوب إلى أسلوب، كلما انكشف لهم جانب أعادوا تشكيله في صورة أخرى، وهم الآن على أبواب التعليم، وهي خطوة خطيرة إذا سمح بها وأعين عليها.
ومن هنا نجد عبارة شيخ الأزهر واضحة في معارضة المشروع حين يقول:
"إن هذا المشروع واضح الهدف في هدم معالم اللغة العربية،

وتبعاً لذلك البعد بها وبأهلها عن القرآن الكريم.
ثم ما ينتج عن ذلك من مساس بالإسلام وأصوله كما هي مصونة في كتاب الله وسنة رسوله الكريم، ذلك إلى إيجاد الهوة الواسعة بين ما تئول إليه اللغة (لا قدر الله) وما احتوته من تراث في صورتها السليمة يمتد عبر أربعة عشر قرناً في نحو أربعة عشر إقليماً ..

--

ولذلك فإن مجمع البحوث الإسلامية يرى في هذا المشروع خطراً داهماً على اللغة العربية والعلوم الإسلامية، من شأنه أن يقطع صلة المسلم بالقرآن الكريم والسنة النبوية والتراث الفقهي الذي يعتمد فيما يعتمد عليه على دلالة المفهوم والمنطوق وأساليب القصر، والتقديم والتأخير وما إلى ذلك مما لا يتحقق في لغة أساسها العامية. بل إنه يقطع صلة المسلم بالتراث العلمي الإسلامي بصفة شاملة.
ومَن يطالع تقرير الدكتور عمر فروخ يحس بالخطر الكامن واضحاً في عبارات صريحة، يقول: "وفي أثناء الجلسات الرسمية للمؤتمر، وفي الفترات المتعددة بين الجلسات جرت بحوث واقتراحات وملاحظات جعلتني = خيفة شديدة من المشروع .. إن كل ما دار في مؤتمر برمانا كان يولد فيّ شعوراً بأن الغاية الأولى والأخيرة من المؤتمر كان الاهتمام باللغة العامية ..
لقد حضر هذا المؤتمر عدد قليل من اللبنانيين ونفر من العرب غير اللبنانيين (وكثرة) من الأجانب

لفتت نظري أن جلهم من الرهبان اليسوعيين ..
ونحن نقول إنها حلقة جديدة من حلقات المؤامرة أخش أنم تقف منها المجامع العربية موقع الصمت أو التردد؛ حيث نرى بعض رجالها يؤمنون بما يؤمن بها المستشرقون ويدافعون عنه، وخاصة في محاولة تطبيق علم اللغات الحديث على اللغة العربية، وهو علم قامت نظرياته ومستخلصاته على أساس دراسة واسعة للغات الأوربية. وهذه اللغات لها تاريخ وتحديات وطرق. أما تاريخها فإنها مشتقة من اللغة اللاتينية ولغات أخرى. وقد كانت في أول أمرها لهجات عامية ثم استقلت بنفسها تحت تأثير عوامل كثيرة .. أما التحديات فإن ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة القومية الأوربية جعل الموقف جد مختلف بينها وبين العربية .. أما الطريق فهو أن اللغة العربية ارتبطت بكتاب منزل أعطاها وحماها وجعلها ليست لغة العرب وحدهم؛ وإنما لغة الثقافة الإسلامية بعامة

--

.. ومن هنا فإن محاولة القول الذي تردد كثيراً على ألسنة طه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد، وما يزال يتردد على ألسنة بعض من يتولون أمر اللغة، بأن اللغة العربية لغتنا ونحن أصحابها، ولنا حق التصرف فيها، هو قول باطل وغير صحيح ومردود؛ ويرده واقع التاريخ ومنطق البحث العلمي .. وربما كان قولاً صحيحاً بالنسبة للغات الأوربية، أما بالنسبة للغة العربية فإنه أمر جد مختلف؛
ذلك أن اللغة العربية منذ أن نزل التنزيل بها فقد أعطاها أبعاداً تختلف وواقعاً خاصاً ..
فاللغة العربية منذ ارتبطت بالقرآن الكريم أصبحت ليست لغة أمة هي العرب فحسب؛ بل هي لغة فكر وعقيدة ودين وثقافة للمسلمين جميعاً الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 700 مليون.

ومن هنا فإن ارتباطها بالقرآن هو وحده الذي حماها من أن تتحول لهجاتها إلى لغات مستقلة، وأن يقرأ تراثها بقاموس .. وسيظل الترابط بين المسلمين ولغة الضاد الفصحى لغة القرآن قائماً إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها ..
وبعد: فإن مؤامرة مشروع العربية العامية يجب أن يشجب بقوة من جميع الهيئات الإسلامية وفي مقدمتها رابطة العالم الإسلامي التي تمثل اليوم مكان الأمم لمختلف المنظمات الإسلامية. وهي ما هي غيرة وقوة وإيماناً.


--

 

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
2,026
مستوى التفاعل
104
(2)
الفصحى: لغة القرآن
..
لغة ألف مليون: هم المسلمون
وليس مائة مليون هم العرب وحدهم !

ما تزال قوى التغريب والغزو الثقافي تطارد اللغة العربية الفصحى مطاردة شديدة: وفي مؤتمر المستشرقين الأخير دارت مناقشات وأبحاث كثيرة حول ما يسمونه اللغة العربية الحديثة وحول اللهجات العامية التي يسمونها لغات.
وهناك اتجاه في بعض الجامعات التي يشرف على الدراسات الإسلامية والعربية فيها يهود صهيونيون يرمي إلى المبالغة في أهمية اللهجات العامية والعناية بدراستها باعتبارها اللغة المستعملة، وهناك دراسات عن اللهجات المصرية والتونسية والمغربية.
ويواجه الأساتذة العرب هذه الحركة بحركة مضادة معادية لهذا الاتجاه يقررون فيها ضرورة التمسك باللغة الفصحى لغة القرآن ويكشفون فساد هذا المنهج التعريبي الذي تحمل لواءه اليهودية العالمية لحساب الصهيونية وإسرائيل، ونحن نعرف أن الهدف هو القرآن والإسلام والقضاء على الوحدة الفكرية الجامعة تحت لواء الإسلام في لغة الأمم.
وفي هذا نذكر ذلك النذير الذي أصدره الأستاذ مصطفى صادق الرافعي منذ خمسين عاماً حين قال:

--

"إن العربية لغة دين قائم على أصل خالد هو القرآن الكريم، وقد أجمع الأولون والآخرون على إعجازه بفصاحته،
إلا مَن لا حفل له به مِن زنديق يتجاهل أو جاهل يتزندق،
ثم إن فصاحة القرآن يجب أن تبقى مفهومة ولا يدنو الفهم منها إلا بالمران والمداولة ودرس الأساليب الفصحى والاحتذاء بها وأحكام اللغة والبصر في حقائقها وفنون بلاغتها والحرص على سلامة الذوق بها،
وكل هذا يجعل الترخص في هذه اللغة وأساليبها ضرباً من الفساد،
والحال الخاصة في فصاحة هذه اللغة ليست في ألفاظها ولكن في تركيب ألفاظها".

--

ويعني هذا الذي يقوله الأستاذ الرافعي رحمه الله أن اللغة العربية ارتبطت بالقرآن فأصبحت لغة أمة: ولغة فكر وثقافة ولغة عبادة للمسلمين جميعاً الذين يبلغ تعدادهم ألف مليون، وليست لغة مائة مليون هم العرب وحدهم،
ولقد حماها ارتباطها بالقرآن مِن أن تتحول لهجاتها إلى لغات مستقلة

وحال بينها وبين أن يُقرأ تراثها بقاموس كما يُقرأ تراث اللغات الأوربية.
وسيظل الترابط بين المسلمين وبين لغة الضاد قائماً مادام القرآن الكريم وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
إن اللغات الأوربية حين انسحبت من اللغة اللاتينية إلى اللهجات القومية فأصبحت لغات خاصة انقطعت عن تراثها القديم،
وقد أصبح من شأن هذه اللغة أن تتطور وتتطور وهي في كل فترة تنتقل من اللغة المكتوبة إلى لغة الكلام التي تصبح بدورها لغة كتابة،
ومن ثم فإن أوربا لا تستطيع أن تقرأ شكسبير أو ملتون أو غيرهما من أعلام الأدب إلا بواسطة القاموس،
وليس بين اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية وبين هذا التراث أكثر من أربعمائة عام،
بينما يقرأ العرب والمسلمون اليوم امرؤ القيس وبينهم وبينه أكثر من ألف وخمسمائة عام كأنما ألقى شعره في نفس اليوم،
ولو أن إنساناً عربياً من الجاهلية بعث اليوم ما استطاع أن يتحدث إلينا ونتحدث إليه ويفهم منا ونفهم منه.
عن القول الباطل الذي يردده هؤلاء التغريبيون من قولهم أن اللغة العربية هي لغتنا ونحن أصحابها ولنا حق التصرف فيها هو قول غير صحيح
يرده واقع التاريخ ويدحضه منطق البحث العلمي.

--

واللغة العربية: لغة غنية خصبة عملاقة، يقول الخليل بن أحمد في كتاب العين:
"إن عدد أبنية كلام العرب 12 مليون و305 ألف و412 كلمة"،
ويقول الحسن الزبيدي أن ما يستعمل من ألفاظ اللغة العربية هو 5620 لفظاً فقط.
وعندما نزل بها القرآن أزاحت السريانية والكلدانية والنبطية والآرامية واليونانية والقبطية

عن مكانها في مصر والشام وأفريقيا وأدالت منها قبل أن ينقضي قرن واحد،
فلما بلغت القرن الثالث تحولت الصلوات في الكنائس إليها،
ثم كتبت بها اللغات التركية والفارسية والأوردية والأفغانية والكردية والمغولية والسودانية والأبجية والساحلية. كما كتب بها لغة أهل الملايو وقد حدث هذا منذ أكثر من ألف عام.

ثم دخلت إلى اللغات الأوربية كالفرنسية والألمانية والإنجليزية، وفي اللغة الإنجليزية وحدها أكثر من ألف كلمة عربية. ومن الناحية العلمية فهي تفوق أضخم اللغات ثروة وأصواتاً ومقاطع؛ إذ بها 28 حرفاً غير مكررة. بينما في اللغة الإنجليزية 26 حرفاً ومنها مكرر، كذلك فإن اللغة العربية ثراء في الأسماء فيها 400 اسم للأسد و300 للسيف و255 للناقة و170 للماء و70 للمطر؛ لكل واحد منها استعماله الخاص في حالة معينة.
ولقد عرف رجل من أشد خصوم الإسلام قدر اللغة العربية فكتب عنها في كتابه اللغات السامية، ذلك هو أرنست رينان فقال:
"من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حل سره

انتشار اللغة العربية،
فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدأت فجأة في غاية الكمال، سلسلة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة؛ بحيث لم يدخل عليها منذ يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة محكمة
ولم يمضِ على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى،
ومن أغرب المدهشات أن نبتت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرحل،
تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها،
وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم،
ومن يوم أُعلنت ظهرت لنا في حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر حتى أنه لم يعرف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة، ولا تكاد تعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى،
ولا نعلم شيئاً عن هذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدريج وبقيت حافظة لكيانها خالصة من كل شائبة".

--

هذا وقد أثبت الأستاذ كامل كيلاني أنه ما من فن أو علم أو معنى في شعر أو نثر يتحدث في أدب من الآداب إلا وله ضريب في اللغة العربية،
وقد جمع 18 صورة من هذه المقابلات،
بينما وجد أن هناك 25 صورة من الأدب العربي لا ضريب لها في الآداب الغربية.
وقد شغلت كلمة (الوفاء) في اللغة العربية من لسان العرب صفحات 278، 279، 280، 281 من جزئه العشرين،
بينما لا توجد هذه الكلمة في بعض اللغات كلية.

ولقد كتب جول فيرن الروائي المشهور قصة خيالية عن قوم شقوا أعماق الأرض طريقاً إلى جوفها فلما خرجوا سجلوا أسماءهم باللغة العربية، فلما سُئِل عن ذلك قال: لأنها لغة المستقبل.

ولذلك فمن الخطر فصل اللغة العربية عَن مستوى بيان القرآن، وذلك هو هدف التغريب الذي يعرفه جيداً جميع المستشرقين.

ويقول سيديو: أن

اللغة العربية حافظت على وجودها وصفاتها بفضل القرآن".
ومن ثم فإن كل هذه المحاولات لإفساد جوهرها هي بمثابة هجوم على الإسلام يتخفى وراء عبارات كاذبة مضللة.
 
أعلى أسفل
}