تفسير سورة " الماعون "

yasma

Moderator
إنضم
نوفمبر 16, 2021
المشاركات
1,075
مستوى التفاعل
36
النقاط
16
سورة الماعون :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴿۱﴾ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴿۲﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿۳﴾ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿٥﴾ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴿٦﴾ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾


سورة الماعون :
السورة هي سبع آيات مكية .
وقيل مكية الثلاث الايات الأول، والأربع الباقية مدنية
وقال هبة الله المفسّر : نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ، ونصفها بالمدينة في عبد الله بن أبي المنافق

قال فخر الدين الرازي المفسر:
- قَوْلُهُ: ( أَرَأَيْتَ ) مَعْنَاهُ: هَلْ عَرَفْتَ، الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْجَزَاءِ مَنْ هُوَ،
فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ، فَهُوَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ، لَكِنَّ الْغَرَضَ بِمِثْلِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَجُّبِ كَقَوْلِكَ

أَرَأَيْتَ فُلَانًا مَاذَا ارْتَكَبَ وَلِمَاذَا عَرَّضَ نَفْسَهُ ؟

- فِي مراد الْآيَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُكَذِّبًا بِيَوْمِ الدِّينِ،
وَذَلِكَ لِأَنَّ إِقْدَامَ الْإِنْسَانِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِحْجَامَهُ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلرَّغْبَةِ فِي الثَّوَابِ وَالرَّهْبَةِ عَنِ الْعِقَابِ،
فَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْقِيَامَةِ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الْمُشْتَهَيَاتِ وَاللَّذَّاتِ،
فَثَبَتَ أَنَّ إِنْكَارَ الْقِيَامَةِ كَالْأَصْلِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.

- فِي تَفْسِيرِ ( الدِّينِ )

الأول: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يُكَذِّبُ بِنَفْسِ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلصَّانِعِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلْمَعَادِ أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ .
( قلت . فمن كذّب بجزء من الدين فكأنه كذّب بكل "الدين" ، والحساب والجزاء جزء من الدين ) .
والثاني : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ :أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ .
( قلت .هذا باعتبار أن لفظ الدين نفسه يعني الجزاء كما في قوله تعالى ( فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ) غير مجازيين ومحاسبين .

- تفسير قوله : فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)- الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ "فَذلِكَ" لِلسَّبَبِيَّةِ ، أَيْ لَمَّا كَانَ كَافِرًا مُكَذِّبًا كَانَ كُفْرُهُ سَبَبًا لِدَعِّ الْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا ،عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصَّادِرَ عَمَّنْ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَذِّبَ بِالدِّينِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَيْنِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ،


كَأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ مِثَالًا وَاحِدًا تَنْبِيهًا بِذِكْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْقَبَائِحِ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، كَمَا أَنَّهُمَا قَبِيحَانِ مُنْكَرَانِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَهُمَا أَيْضًا مُسْتَنْكَرَانِ بِحَسَبِ الْمُرُوءَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ،
أَمَّا قَوْلُهُ: ( يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِعُنْفٍ وَجَفْوَةٍ كَقَوْلِهِ :
" يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطُّورِ: 13] ،
وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِي دَعِّ الْيَتِيمِ أُمُورٌ أَحَدُهَا: دَفْعُهُ عَنْ حَقِّهِ وَمَالِهِ بِالظُّلْمِ .وَالثَّانِي: تَرْكُ الْمُوَاسَاةِ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً. ِ
وَالثَّالِثُ : يَزْجُرُهُ وَيَضْرِبُهُ وَيَسْتَخِفُّ بِهِ .
روى الطبري عن قتادة (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال: يقهره ويظلمه.
وقيل معناه: يقهره. (قلت . كما قال تعالى " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ " )
وعن سفيان ، قال: يدفعه.
قَوْلُهُ: ( وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ .
وَإِضَافَةُ الطَّعَامِ إِلَى الْمِسْكِينِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ حَقُّ الْمِسْكِينِ، فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْمِسْكِينَ مِمَّا هُوَ حَقُّهُ،
وَالثَّانِي: لَا يَحُضُّ غَيْرَهُ عَلَى إِطْعَامِ ذَلِكَ الْمِسْكِينِ . وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ بُخْلِهِ وَقَسَاوَةِ قَلْبِهِ وَخَسَاسَةِ طَبْعِهِ .
وَضِدُّهُ فِي مَدْحِ المؤمنين : " وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ " [البلد: 17]
- تفسير قوله تعالى " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)( قلت . المسلمون حينما كانوا في مكة لم يكن فيهم من يرائي ولا منافقين وهذا دليل لممن قال أنها مدنية أو نصفها مدني )
( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )

قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال: { لِلْمُصَلِّينَ } أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
وإما عن وقت الصلاة الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا.
وإما عن أداء الصلاة بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به.
وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية. ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي .
في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا "
- قوله تعالى ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)في صحيح البخاري عن جندب قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ "
رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ "

- وقوله: { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }

أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم. فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى.
قيل : الماعون: الزكاة ، عن علي. وعن ابن عمر. وبه يقول محمد بن الحنفية، وسعيد بن جبير، وعِكْرِمة، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
روى النسائي عن ابن مسعود : " كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة الدَّلو والقِدْر.

( ورواه أبو داود ، و قال الألباني : حسن ) .

و عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } يعني: متاع البيت. وكذا قال مجاهد وإبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، وغير واحد: إنها العاريَّة للأمتعة.
في مستدرك الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " الْمَاعُونُ الْعَارِيَةُ "

( قلت . وقال البعض فيما معناه إعارة متاع البيت هو من الزكاة فلا تناقض ، فلكل نعمة زكاتها .
وأصله اللغوي من " المَعْنَ " على وزن فاعول .ومنه ماء مَعِينٌ أَي جارٍ
وفي ريف مصر يقولون عن الأواني وغيرها " مواعين" )
 
التعديل الأخير: